انطلت الحيلة على البعض، وشاركوا في التفاخر مع تركيا بكذبة تفوقها في مجال صناعة الطائرات المسيَّرة، التي تستخدمها لدعم المتطرفين في ليبيا، في حين بدأت المعلومات من المصادر الموثوقة تفضح وهم التفوق التركي المزعوم في هذا المجال، واتضح أن الاستراتيجية العسكرية التركية في الساحة الليبية، تحولت إلى أداة تنفيذية لاختبار قدرات إسرائيل في التصنيع العسكري.
وتأكيداً لهذه الحقيقة الصادمة، التي يكافح العسكريون الأتراك من أجل إخفائها، نقلت مصادر إعلامية معتبرة، منها وكالة الأنباء الروسية «FAN»، ما يفيد بأن الطائرات من دون طيار التي تستخدمها تركيا في ليبيا ذات منشأ إسرائيلي من الناحية التكنولوجية، وأن الطائرات المسيرة التي تسميها تركيا «بيرقدار» لا تختلف تقنياً ومظهراً عن ما تصنعه إسرائيل من طائرات تحت اسم (IAI) هيرون وطيارات «أيرو ستار».
ما سبق يكشف عن عدة أمور بديهية، أبرزها أن تركيا بحصولها على هذه التقنية المستخدمة في توجيه الطائرات المسيرة، تؤكد أنها من الناحية العملية أبرز حلفاء إسرائيل في الشرق الأوسط، وذلك أيضاً يلقي عليها أعباء الالتزام أمام الحليف الإسرائيلي بتوظيف التعاون العسكري الوثيق معه بما يخدم الطرفين، وفي الواقع لا تخدم تركيا شعبها من وراء مغامراتها العسكرية، بقدر ما تخدم الحليف الأقوى الذي يستخدمها لصالحه.
ولا يمكن للسياسة التركية التخلص بسهولة من تبعيتها لاستراتيجية التحالف العسكري مع إسرائيل، لأنه تحالف وظيفي يتحكم به وبأهدافه الجانبُ الإسرائيلي، وأصبحت تركيا أحد أدواته التنفيذية في المنطقة، ومهمتها على وجه التحديد خدمة إسرائيل واختبار أسلحتها وشراء التكنولوجيا الخاصة بها، من أجل المساهمة في دعم الصناعات العسكرية الإسرائيلية، واستخدامها في نشر الفوضى، وتخريب بعض دول المنطقة العربية.
ولا شك في أن تيار الإسلام السياسي، بطبعته التركية وانشقاقاته المتكررة، كان بحاجة ماسة للحليف الإسرائيلي، لذلك حافظ المتأسلمون في تركيا، بانتهازية مفرطة، على التعاون العسكري مع تل أبيب، وقاموا بتغطية ذلك من خلال ضخ ازدواجية في الخطاب الرسمي، فمن جهة ظلت أنقرة تمد يدها لتل أبيب وتتعاون معها عسكرياً على أعلى المستويات، ومن جهة ثانية يقدم النظام التركي نفسه حارساً زائفاً لقضية فلسطين، ومنظومة مقولات الإسلام السياسي بطبعته الأكثر انتهازية ونفاقاً.
ومنذ وقت مبكر، كان المحللون يحذرون باستمرار من تبعات التدخلات التركية العسكرية التي تنفذ أجندات مكشوفة في أكثر من رقعة جغرافية، تشمل حتى الآن سوريا وليبيا والعراق، غايتها الأساسية ضمان استمرار الفوضى في الشرق الأوسط، لكي تتفرغ إسرائيل لفرض سياسة الأمر الواقع في ما تبقى من الأراضي الفلسطينية، بينما تستمر تركيا في أداء أدوارها المسرحية لتضليل الرأي العام، تحت ستار دعم غزة برحلات سياحية بحرية.
ثم جاء التطفل التركي في الساحة الليبية، ليفضح الصورة الزائفة لنظام أنقرة، وانكشفت حقيقة التدخلات التركية بشكل أعمق حين رمت بكل ثقلها في المشهد الليبي، مدعومةً بتكنولوجيا إسرائيلية، ظهرت في الطائرات المسيرة، التي تزعم تركيا أنها من صناعتها. وقد استمر مؤدلجو الإسلام السياسي في امتداح تركيا والتطبيل لها، رغم أنها استخدمت المرتزقة والإرهابيين الذين أدخلتهم إلى ليبيا، ودعمت تحركاتهم على الأرض بالطائرات المسيرة ذات التكنولوجيا الإسرائيلية.
كل ما سبق يجعلنا أمام حقيقة، أن السياسة التركية أصبحت عاجزة عن إنكار تمحورها الكلي حول تحقيق أهداف حليفها الإسرائيلي، رغم التسويق الفاشل لصورة الخليفة العثماني برداء معاصر، ونتيجة للتورط في جبهة حرب لا مصلحة للشعب التركي في خوضها، يواصل النظام التركي حشد أصوات المتأسلمين العرب للتهليل لنهج الفوضى والحروب التي تنخرط فيها أنقرة.

*كاتب إماراتي