وسط إضرابات واحتجاجات صاخبة داخل البرلمان التونسي وخارجه، بسبب المواقف المراوغة من جانب رئيسه «راشد الغنوشي»، المواقف المنحازة والداعمة لأطراف خارجية طالما سعت للنيل من لحمة التونسيين ووحدتهم، المواقف المتعارضة مع سياسة الدولة التونسية نفسها.. وسط هذه الاحتجاجات والإضرابات المتصاعدة ضد الغنوشي، المتهم بدعم أطراف خارجية غير مرحب فيها في تونس والمنطقة العربية ككل، جاء توجيه الدعوة إليه لزيارة دولة الكويت الشقيقة ليرسم كثيراً من علامات التعجب والاستفهام، رغم الظروف الحساسة والمتوترة في المنطقة العربية ككل، ورغم الخلافات الواسعة بين البرلمان التونسي ورئيسه، ورغم جائحة فيروس كورونا الذي غزا العالم كله وعطّل الحركة في كل مكان تقريباً. في ظل مثل هذه الظروف تأتي دعوة الغنوشي إلى دولة خليجية، حيث تعطلت كل المؤتمرات وأُلغيت القمم والاجتماعات الحكومية والجلسات البرلمانية.. وذلك بسبب الجائحة المستجدة.
وربما تمثل دعوة «راشد الغنوشي» في هذه الأيام، وسط ظروف حرجة وقاسية بالنسبة له، كما لو أنها قارب نجاة لإنقاذه من ورطته الصعبة أمام القوى السياسية والكتل البرلمانية التي ترفض أجندته وتعارض أدواره المتصادمة مع توجه أغلب الدول الخليجية والعربية. وقد تواصلت ردود الأفعال القوية والواسعة في وسائل التواصل الاجتماعي ضد الزيارة وتوقيتها وأسبابها وأهدافها.. والتي تضع كلها علامات استفهام واستغراب وتساؤل كبيرة، لاسيما أن المنطقة العربية مشتعلة بسبب الفكر المتطرف الذي يمثله الغنوشي وجماعة «الإخوان المسلمين» التي ينتمي إليها، والتي لا تقيم وزناً للانتماءات الوطنية، بل تسعى إلى تقويض الاستقرار وإشاعة الفوضى وزعزعة أمن المنطقة، وإشاعة التحزب المقيت.. خدمةً لأجندات خارجية إقليمية ودولية تتعارض من الانتماء الوطني لوحدة الدول وتوجهاتها الوطنية في حفظ الأمن والاستقرار والتنمية والازدهار. وهذا الفكر المتطرف الذي سعى وما يزال يسعى إلى إحداث اضطرابات وبلابل في البلاد العربية، هو الذي حاول اختطاف بلدان وتهديم أخرى عبر إشغالها وإبعادها عن أهدافها السياسية والتنموية وفصلها عن محيطها العربي. وهو الفكر الذي يتبناه الغنوشي علناً ويؤمن به أتباعه وأتباع جماعته وحزبه السياسي.
وهذا علماً بأن الغنوشي نفسه له مواقف سلبية سابقة ضد الكويت وأهلها، وكانت مواقف انتهازية ورخيصة ومكشوفة، وهذا معروف ومعلن صراحة ولم ينكره أو يعتذر عنه أبداً.
إذن ما معنى أن يُدعى لزيارة الكويت شخص غريب الأطوار ومثير للخلافات مثل الغنوشي، وتحديداً في هذه الظروف الصعبة والمتوترة والقلقة وغير المناسبة أصلاً.. شخص اختلف حوله التونسيون أنفسهم؟ وما هي المصلحة والحاجة لمثل هذه الزيارة في الوقت الحالي تحديداً؟ كيف يمكن تفسيرها؟ وما هي مبرراتها؟ وما الفائدة منها بالنسبة للمنطقة؟
لم أجد لتفسير دعوة الغنوشي سوى أنها محاولة من بعض الأطراف المحلية لإنقاذه من المأزق العويص الذي يواجهه في بلده، بعد عاصفة الانتقادات التي تعرض لها مؤخراً جراء مواقفه المتآمرة، حيث عجز ولم يستطع الرد على انتقادات البرلمانيين التونسيين بعد أن قاموا بتعريته وكشف مواقفه وأجنداته المناهضة لتونس ولمصالحها الوطنية والاستراتيجية الكبرى. لذا فإنه لا تفسير للدعوة الحالية سوى أنها محاولة لانتشال الغنوشي وتقديمه على أنه شخصية مهمة وذات تأثير، وقبل ذلك لإيهام الآخرين بأنه قادر على التحرك بحرية في دول الخليج العربية، ومنحه مساحة أوسع لكي يوصل رسالته ويكرس أفكاره وأيديولوجيته من خلال منابر خارج الإطار المحلي وخارج تونس وبرلمانها الذي ضيق الخناق عليه وأفشل مشروعه وكشف نواياه التي ووجهت بالاستنكار والاستهجان والانتقاد الشديد المعلن!

*كاتب سعودي