أعلنت الإمارات عن دعمها الكامل للمبادرة المصرية التي أعلن عنها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لحل الأزمة الليبية أملاً في إنقاذ ليبيا، وبالتالي وقف نزف الدم الدائر على أراضيها. وتتضمن المبادرة المصرية وقف القتال بين طرفي النزاع والجلوس إلى طاولة المفاوضات وفق توصيات مؤتمر برلين وبرعاية الأمم المتحدة، وذلك لوضع الأمور في نصابها وليقف المجتمع الدولي عند مسؤولياته، وبالتالي لحثه على القيام بدور فعال لحماية المدنيين، ومن ثم مساءلة ومحاسبة مرتكبي الانتهاكات والجرائم ومتجاوزي القانون الدولي لحقوق الإنسان التي دعمتها حكومة الوفاق. وإذا توافقت الأطراف المعنية على المبادرة فسنشهد بداية طريق لحل أزمة طالت واستفحلت.
ولكن رغم إعلان المشير خليفة حفتر التزامه بقرار وقف إطلاق النار، إلا أن الطرف الآخر لا يزال يحشد قواته المدعومة من حليفه التركي اللاهث لاختطاف البترول وكلاهما – تركيا وحكومة السراج - يدركان أن من الصعب جداً الوصول إلى بنغازي وطبرق والبيضا، ولهذا فعلى الأغلب سيتم تثبيت مناطق التمركز والسيطرة لكلا الطرفين المتحاربين عند النقاط الحالية على الأرض، لتبدأ مرحلة التسوية السياسية، علماً أن شرق ليبيا كله وحتى عمق وسط ليبيا تحت سيطرة قوات المشير خليفة حفتر، أي ما يمثل أكثر من 80% من مساحة ليبيا، وهو ما يفند مزاعم حكومة السراج حول انتصاراتها الوهمية التي يروج لها كل من يساندها.
وإذا ما أُريد لليبيا أن تحافظ على وحدة أراضيها، فعلى الجميع الانتباه جيداً إلى أنها تنقسم إلى ثلاثة أقاليم، هي إقليم طرابلس الذي تسيطر عليه حكومة السراج ومن يقاتل معها، و(إقليم برقة) في الشرق ومركزه مدينة بنغازي ويرتبط مجتمعه بعلاقات عائلية ومصاهرة مع القبائل المصرية التي تعيش غرب مصر، وإقليم فزان في الجنوب المرتبط بأفريقيا.
لا شك أن تلك الأقاليم مختلفة ومتباينة في تكوينها، ولا روابط قوية تجمع فيما بينها، الأمر الذي يدعو إلى ضرورة تأسيس دولة حقيقية بدستور جديد وبتمثيل يتناسب مع حجم ووضع كل إقليم. من هذا المنطلق تأتي أهمية المبادرة المصرية التي أعلنت الإمارات عن دعمها انطلاقاً من تثمين وتقدير المساعي والجهود المخلصة التي تقودها الدبلوماسية المصرية بحس عربي مسؤول، وجميعنا ندرك أهمية مصر كدولة ذات وزن عربي وإقليمي ودولي، كما ندرك إيمانها بوحدة المصير العربي، وبضرورة تقديم رؤيتها ومساعيها لرأب أي صدع أو شرخ بين الدول العربية.
وفي الحالة الليبية، فإن مصر تعي تماماً خطورة ما يجري على أرض شقيقتها وجارتها، وأثره السلبي على الأمن القومي العربي، من ناحية أخرى فإن المجتمع الدولي على معرفة بتحركات أردوغان وآلية دعمه الصريح لجماعة «الإخوان» كما أنه على بينة من حقيقة أطماعه في الغرب الليبي. فبعدما راوغ كثيراً وحاور وناور، إلا أنه في آخر المطاف كشف عن نواياه. ومما لا شك فيه أن مخططاته ترمي إلى زعزعة الاستقرار في المنطقة، وتهدف إلى فتح جبهات صراع جديدة بما يتماشى مع نهجه، وهو الذي لم يتوانَ عن تجنيد آلاف المرتزقة والمجيء بهم إلى ليبيا، وها هم اليوم يقاتلون في أرض ليست أرضهم، وكل ذلك كشفته أجهزة المخابرات الدولية.
منذ أعوام وسياسة أردوغان مكشوفة، ومع ذلك هو مستمر فيما يرمي إليه، وكأنه غير مدرك لحقيقة جلية وهي المستنقع الذي دخله وأدخل تركيا معه إليه، ما يهمنا اليوم مبادرة مصر، والتي سنكون بانتظار نتائجها، راجين حقاً أن تكون بارقة أمل لليبيا، علّها - وبمساعٍ دولية جادة - تنقذ هذا البلد وأهله مما هم فيه منذ سنوات من صراع وتشرذم وخسارة في الأرواح والممتلكات.