انطلق في العاشر والحادي عشر من الشهر الجاري، الحوار الاستراتيجي بين الولايات المتحدة والعراق، لرسم خريطة طريق للعلاقات بين الطرفين، ولبحث أسس وضوابط جديدة لملفات قديمة، وسط لغط لم يهدأ في بغداد، للمطالبة بانسحاب القوات الأميركية، ومخاوف لدى إيران من ضياع نفوذها في بغداد، وتهديد ووعيد من ميليشيات الحشد الشعبي التابعة لإيران، وفي مقدمتها ميليشيا «كتائب حزب الله العراق»، وكان وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو، قد دعا في السابع من أبريل 2020 إلى «حوار استراتيجي» بين الولايات المتحدة والعراق، للبحث في مستقبل العلاقة بين البلدين، وسبقت انطلاقةَ الحوار زيارةٌ لقائد فيلق القدس الإيراني إسماعيل قاآني، إلى العراق الأسبوع الماضي، وذكرت مصادر إخبارية أن هدف الزيارة الضغط على الحكومة العراقية، للمطالبة خلال المفاوضات بانسحاب القوات الأميركية من العراق، فما هي الملفات المطروحة على طاولة الحوار الاستراتيجي العراقي الأميركي؟ وما العوامل المحددة لخيارات الطرفين؟ وما هي مصالحهما وتوقعاتهما الواقعية لمخرجات الحوار؟
يستند الحوار الاستراتيجي إلى الاتفاقات القائمة بين الطرفين، فـ«اتفاقية وضع القوات» و«اتفاقية الإطار الاستراتيجي»، الموقعتان في ديسمبر 2008 بين الولايات المتحدة والعراق، تغطيان كافة مجالات التعاون بين البلدين، وتعالجان العديد من المسائل، لكن من الواضح أن كلا الطرفين بحاجة لرسم معالم علاقة جديدة، يمكنها أن تؤدي إلى شراكة استراتيجية دائمة، بعد ما شهدت العلاقات بينهما تدهوراً ملحوظاً منذ عام 2018، بسبب هجمات ميليشيات إيران ووكلائها على المصالح الأميركية في العراق، وتصاعدت حدة المشاعر المعادية للولايات المتحدة، بعد اغتيال قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني، ونائب رئيس هيئة الحشد الشعبي العراقي أبو مهدي المهندس في بغداد مطلع عام 2020، وتعرضت المصالح الأميركية منذ ذلك الوقت لحوالي 30 هجوماً صاروخياً، كما صوت النواب الشيعة في البرلمان العراقي، على قرار بإنهاء تواجد القوات الأجنبية في البلاد. وبدورها، هددت واشنطن بضرب عشرات المواقع التابعة للفصائل العراقية المسلحة، وانطلق الحوار بين بغداد وواشنطن، في وقت يعاني فيه الاقتصاد العراقي من تفشي الفساد وسوء الإدارة المزمن، وانخفاض تاريخي لأسعار النفط، وتفشي وباء «كوفيد-19»، وقد أكد الطرفان على المبادئ المتفق عليها في اتفاقية الإطار الاستراتيجي، كما ناقشا التعاون المشترك في قضايا الاقتصاد والطاقة، إضافة إلى التأكيد على التعاون الثنائي الوثيق على المستويين الأمني والسياسي.
وأكد الجانب الأميركي على دعم العراق وحكومته الجديدة، وكان من نتائج الحوار أيضاً خفض عدد القوات الأميركية من 5200 إلى أقل من 2500، مع بقاء نحو 150 جندياً داخل السفارة الأميركية في بغداد، ومقابل خفض عدد القوات الأميركية، تعهدت الحكومة العراقية في البيان المشترك، بحماية القوات العسكرية للتحالف الدولي، الذي تشكل القوات الأميركية غالبيتها، في إطار الترتيبات الخاصة بوجود تلك القوات، والتي ستتم مناقشة موضوعها خلال باقي الجلسات المتوقع استمرارها حتى يوليو المقبل.
وتعرف النخب السياسية في بغداد، أن الوجود العسكري الأميركي لن يستمر، وأن الانسحاب التدريجي للقوات الأميركية يتطلب أن تقدم هذه النخب نموذجاً سياسياً قابلاً للاستمرار، يستند للهوية العراقية الجامعة لا للهويات الطائفية ذات الامتدادات العابرة للحدود.. لذا يسعى الحوار الاستراتيجي إلى التأسيس لشراكة حقيقية طويلة الأمد قابلة للبقاء بين واشنطن وبغداد مستقبلاً.