استطالت فوضى الحرب في ليبيا، وأصبح المتابعون يتساءلون عن أفق الحل، وهو متاح بالفعل وقابل لصياغة استقرار وبناء الدولة الليبية في أقرب وقت، لكن هناك من يريد استمرار الصراع، فقد أصبحت الحالة الليبية نموذجاً للعبث التركي، وعرقلة فرص إحلال السلام.
تتحرك تركيا في الساحة الليبية، انطلاقاً من رغبتها في استخدام الحرب كأداة لتحقيق أهداف غير مشروعة، فذهبت إلى عقد اتفاق مع حكومة لا تمثل كافة الليبيين، بهدف شرعنة وصاية مرفوضة ومناقضة لتوجهات المجتمع الدولي تجاه الوضع في ليبيا.
تأتي تدخلات تركيا كذلك على حساب دماء الليبيين، واستقرار بلدهم وحقهم في بناء دولتهم، بعيداً عن طموحات أنقرة في زراعة وتمكين حكومة إخوانية موالية لها على التراب الليبي.
لقد بذلت جهود دولية عديدة، وظهرت مؤشرات لحقن الدماء ووقف الحرب في ليبيا على مدى السنوات الماضية، من خلال مبادرات ومؤتمرات دولية، أبرزها مؤتمر برلين الذي لم تلتزم تركيا بمقرراته، رغم أنها وقعت على مخرجاته، ثم عادت إلى ضخ الأسلحة والمقاتلين الأجانب لتضمن استمرار الفوضى، بينما كانت الأطراف المعتدلة في ليبيا توافق على مقترحات وخطط السلام، لكن حكومة السراج الممثلة للمتطرفين ارتضت أن تكون رهينة لقرارات الجانب التركي، وأصبحت أنقرة ترفد المتطرفين بالمزيد من الأسلحة والمرتزقة والإرهابيين.
لكل ما سبق، بات من الواضح أن أساس الإشكالية يبقى متمثلاً في مضاعفات وسلبيات الدور التركي، الذي يؤدي إلى تعقيد وإطالة أمد الصراع في الساحة الليبية، إضافة إلى انتهاج تيار المتأسلمين في ليبيا خيار احتكار المشهد، بهدف إقامة حكومة متطرفة على ارتباط وثيق بالنظام التركي وخدمة مصالحه.
ولم يكن البعض يستوعب طبيعة الصراع في ليبيا، لكن بعد أن تزايد التطفل التركي، انكشفت الأهداف، وخاصة مع سعي تركيا لتحويل الساحة الليبية إلى بؤرة للتطرف والإرهاب، من خلال انحياز أنقرة سياسياً وعسكرياً وإعلامياً للأجنحة المتطرفة غير المرغوب فيها حتى من قبل الليبيين أنفسهم.
ورغم أن الحديث عن انقسام في المشهد الليبي غير منصف، لأنه يمنح الإرهابيين والمتطرفين مشروعية عندما يتم احتسابهم طرفاً أصيلاً، وهم في الحقيقة مجموعات منبوذة تستمد قوتها من الحبل السري الذي يربطها بتركيا، فإن جهوداً جديدة تبذل لإنهاء ما يعتبره أصحاب النوايا الحسنة انقساماً هناك، وقد جاءت أحدث المبادرات الساعية إلى وضع حد نهائي للصراع في ليبيا، من خلال «إعلان القاهرة» الذي باركته دولة الإمارات أيضاً.
ورغم الترحيب الإقليمي والدولي المتزايد بإعلان القاهرة، وما يتضمنه من خطوات عملية لإنهاء الصراع، كذلك رغم ترحيب الطرف الأبرز في ليبيا ممثلاً بالجيش الوطني الليبي، فإن تركيا أوعزت إلى حلفائها المتطرفين في طرابلس بعدم التجاوب مع إعلان القاهرة، لأن أي خطوات باتجاه حلحلة الوضع، من شأنها أن تفضح التورط التركي في الساحة الليبية.
ومن الواضح، أن تركيا تركز على تحقيق مكاسب اقتصادية، من خلال توقيع اتفاقية حدود بحرية مع حكومة الوفاق غير الممثلة لكافة الليبيين، الأمر الذي أدى إلى عدم الاعتراف بأي اتفاقيات سعت تركيا لطبخها قبل استقرار الوضع في ليبيا، إلى جانب رفض وعدم اعتراف الدول الأخرى المطلة على المتوسط بالتحركات التركية المشبوهة في المتوسط وداخل ليبيا.
الأمل في وقف الحرب الدائرة يقترن حالياً بالحرص على تبني خيار السلام، لأن الخيار العسكري لن ينجح في تمكين طرف على حساب الآخر، الأمر الذي يتطلب من الليبيين استثمار الإجماع الذي تحقق حول «إعلان القاهرة»، مع ضرورة حشد المزيد من الرفض للتطفل التركي المستمر عبر إرسال أسلحة إلى موانئ غرب ليبيا.

*كاتب إماراتي