ربما تفاجأ البعض بالاحتجاجات الأخيرة من جانب الأميركيين على ما يعتبرونه تمييزاً عنصرياً وقسرياً بحق مواطنيهم السود، والذي ظهر جلياً بعد حادثة مقتل المواطن الأميركي ذي الأصول الأفريقية «جورج فلويد» (54 عاماً) في مدينة مينابوليس الأميركية، وهي الحادثة التي فجّرت المظاهرات الواسعة والاحتجاجات العارمة في معظم المدن الأميركية ضد ذلك التمييز العرقي.
وقد يستغرب البعض من ذلك التصرف المشين في بلد ديمقراطي طالما رفع شعارات الحرية والتطور والتقدم.. وقاد العالم كله في عصر النهضة والتكنولوجيا الدقيقة!
وأظن أن ظاهرة مناهضة العنصرية ضد ذوي البشرة السوداء، ليست بالظاهرة الجديدة التي برزت فجأة مع مقتل «فلويد»، بل هي، كما يذكر الكاتب فيصل أبو الحسن في تعليق له على الحادثة (يوم الرابع من يونيو الجاري)، ظاهرة موجودة في العالم كله ومنذ أقدم الأزمنة. صحيح أن الدين الإسلامي منعها وحرر المستعبدين من رق العبودية، وجاء في القرآن الكريم: «إن أكرمكم عند الله أتقاكم»، وفي الحديث النبوي الشريف: «لا فرق بين عربي وأعجمي إلا بالتقوى»، هذا بالإضافة إلى الأحكام الشرعية الأخرى الصريحة الكثيرة التي تمنع التحقير بالإنسان على أي أساس، لاسيما الأساس العرقي المرتبط باللون. لكن تجارة الرق، كما يذكر الكاتب نفسه، كانت موجودة بين أوروبا والعالم العربي منذ أيام الدولة العباسية، ثم دولة المماليك، فالدولة العثمانية. وقد كان السادة يشترون النساء المستعبدات من القوقاز وجزر البلقان أيام الحكم العثماني للمنطقة. وفي القرن التاسع عشر، كان البعض يشترون ويخطفون ذوي البشرة السمراء، ويستعبدونهم، ويبيعونهم لأهل الحواضر والقرى والأرياف وأصحاب المزارع، حيث تم ظلم ذوي البشرة السمراء، بغض النظر عن دينهم وأصولهم وقومياتهم وإنسانيتهم!
ويذكر المؤرخ «ماثيو موير» أن عدد الأفارقة السود الذين دخلوا العالم العربي يتجاوز 800 ألف فرد، وذلك تقريباً في عام 1916.
لكن مع مرور الوقت وفي ظل انتشار الوعي وظهور المدنية الحديثة، كان لا بد من إنصاف هؤلاء كما حث الدين الإسلامي وتعاليمه على ذلك، لذا فقد اندمج كثير من ذوي البشرة السمراء في المجتمعات العربية، سواء بسبب التجارة أو الزواج أو الاختلاط بين الحجاج، أو غير ذلك من الأسباب، حتى اختفت ظاهرة التمييز العرقي شيئاً فشيئاً، وانصهر الجميع وانسجموا في مجتمعات الدول العربية والإسلامية. ومنهم من تبوأ المناصب القيادية المرموقة، وكانوا أوفياء لدينهم وأوطانهم ومجتمعاتهم، وأصبحوا من مواطنين مثل غيرهم دون أي تمييز، وهم إخوة في الدين والإنسانية والوطن، بعيداً عن أي تعصب عرقي أو لوني. وهذا مما يجسد عدالة الإسلام الحنيف، ورشد الدول الوطنية الحديثة التي لم تقبل أي تمييز بين أبنائها، خلافاً لما حصل في أقوى وأغنى الدول المتقدمة المتطورة التي تدِّعي الديمقراطية والحرية والمساواة بين البشر.. فأين المنظمات الإنسانية العالمية ومؤسسات وهيئات حقوق الإنسان في العالم المتحضر، والتي طالما صدّعت رؤوسنا بتقاريرها المشبوهة ضد العرب والمسلمين، مما يحدث من تمييز في تلك الدول «الديمقراطية»؟

*كاتب سعودي