يقف أكثر من 20 بلداً فقيراً، آملاً في تحقيق ما يتطلع إليه من تخفيف أعباء الديون الثنائية الرسمية، من خلال المبادرة المدعومة من قبل مجموعة العشرين، هذا ما صرحت به الدكتورة «كريستالينا غورغييفا» مدير عام صندوق النقد الدولي، مع الاستعداد لدعم تمديد المهلة الممنوحة لما بعد نهاية 2020 حسب الضرورة. فنصف الدول الفقيرة المؤهلة، أو أكثر من المهتمين بالبرنامج تعاني من تداعيات جائحة (Covid 19).
وبالرجوع إلى حقبة (ما قبل كورونا) توقع صندوق النقد الدولي ورود معدلات نمو موجبة بما يتعلق بدخل الفرد في عام 2020، في أكثر من 160 بلداً، لينقلب اليوم هذا العدد رأساً على عقب، وتأتي التوقعات الجديدة بتسجيل معدلات نمو سالبة لدخل الفرد في أكثر من 170 بلداً عضواً هذا العام. مما يعني وجود مشترك إنساني اقتصادي جديد يمثله تحدٍ اقتصادي ضخم يفاقم منه انتشار ذلك الفيروس المجهري عابر القارات.
وبلا شك فإن أكثر متضرري هذه الجائحة على المستوى الاقتصادي يتمثل بقطاع السياحة، والنقل، والتجارة، والاقتصاد غير المهيكل، من الباعة المتجولين، والتجار المحليين، والحرفيين، وأصحاب الدخل اليومي «المياومة» وغيرهم، مما دفع كثيراً من الدول طلب الاقتراض من صندوق النقد الدولي من أجل التغلب على كل تداعيات جائحة فيروس كورونا المستجد، التي رافق جنون انتشاره شرخ اقتصادي بهروب وانسحاب الكثير من رؤوس الأموال، لتتصدر تركيا قائمة الدول «المخنوقة» اقتصادياً إذ فاقمت الجائحة من الركود الاقتصادي الذي لا تنفك تتوسع رقعته منذ وصول طيب رجب أردوغان الى سدة الحكم.
ففي ظل استمرار تعثر الشركات المصنعة، تراجعت الاستثمارات الأجنبية، مصاحباً لها انخفاض متسارع لقيمة الليرة التركية، وعجز الحكومة التركية عن تقديم الدعم المالي للشركات المتضررة، أو توفير شبكة أمان لملايين الأفراد «فاقدي الدخل» بسبب الوباء، مما دفع تركيا لإطلاق حملة تبرعات وطنية - وحصرياً على البلديات التي يسيطر عليها حزب «العدالة والتنمية» - تحت شعار «نحن مكتفون ذاتياً»، بينما تمنع على البلديات التي تسيرها أحزاب المعارضة من إدارة حملاتها الخاصة للمساعدة!
وفي حين تستعرض الحكومة التركية «عضلاتها» الاقتصادية أمام العالم، تشح بتقديم مساعدات شهرية لا تتجاوز 170 دولارا للموظفين والعمال المنخرطين في صندوق الضمان الاجتماعي فقط- وهي فئة لا تتعدى نسبتها 35٪ من مجموع اليد العاملة التركية- ولا تراعي الوضع الاقتصادي والظروف المعيشية في تركيا، كما لم تلتفت للفئات الأخرى التي لن تجد غير المعونات والتكيات إن وجدتها قبل أن يتحول إيرادها لدعم صراعات أردوغان ومساهماته الملغومة خارج تركيا.
استدراكاً لذلك طفقت الإدارة الأردوغانية بمحاولات الحصول على الائتمان والدعم المالي، من خلال رفع الأسعار والضرائب في قطاعات عدة، والسعي للاقتراض من المؤسسات المالية العالمية، والدول الأجنبية، ناهيك عن طلب اقتراض بقيمة مئة مليون دولار من صندوق النقد الدولي. وفي هذا السياق تتوجه دولة خليجية صغيرة وحدها، لدعم تركيا بـ15 مليار دولار حفاظاً على قيمة الليرة التركية، ليرتفع مقدار الدين التركي الخارجي لأكثر من 175 مليار دولار.
وفي خضم هذه الأحداث التي لا تزال تدار بعيداً عن الذكاء الإداري، هل سيستطيع أردوغان السيطرة على الوضع الداخلي وتمرير سياساته الخاطئة وتهدئة الطبقات الشعبية المتضررة بتوظيفه «الأسلوب المعتاد» المرتكز على عواطف أفراد المجتمع نحو الدين وتهييج مشاعرهم بشعاراته الملصقة بالقضايا الإسلامية كقضية القدس الشريف؟ أم أن خططه في السيطرة على النفط الليبي وتثبيت المجد التركي الاستعماري في المنطقة العربية كفيل له أن يعيد بناء ما دمره هو بيده؟ وهل سيقنع الرأي العام الداخلي والخارجي بغوغائية الشعارات القومية والإسلاموية، مثل: «إن هناك لوبي الفائدة، وأطرافاً أجنبية، تهاجم ديننا ومصالحنا القومية، وليعلموا أن الأذان لن يسكت من المآذن، ولن يتمكنوا من تقسيم أمتنا، ولن يستطيعوا أن يُنَكّسوا رايتنا»؟ ويستحضرني بذلك قول إبراهام لينكولين:«تستطيع أن تخدع كل الناس بعض الوقت، أو بعض الناس كل الوقت، ولكنك لا تستطيع أن تخدع كل الناس كل الوقت»!
*أمين عام المجلس العالمي للمجتمعات المسلمة