في الأسابيع القليلة الماضية، قام وزير خارجية العراق بزيارات سريعة وخاطفة إلى دولة الكويت والمملكة العربية السعودية، الجاريْن الخليجيين اللصيقين بالعراق وعضوا مجلس التعاون الخليجي في ما كان يبدو بأنه محاولة أو خطوة عراقية جادة لعودة العراق إلى الصف الخليجي.
وإذا كان الأمر كذلك، فإن جميع دول الخليج العربي أعضاء مجلس التعاون ترحب بتلك الخطوة وتباركها، لأنها تشكل إحدى اللبنات المهمة لعودة الهدوء إلى العراق أولاً مثلما هي المسألة بالنسبة لحوض الخليج العربي برمته لو أن المسائل سارت في المستقبل القريب حسبما هو مخطط ومرسوم لها.
ورغم أن زيارة الوزير العراقي إلى دولة الكويت والسعودية لم تصاحبها حملات إعلامية واسعة، أو تتوارد أخبار كثيرة حول فحواها وأهدافها ونتائجها المباشرة، إلا أنها أمر له دلالاته ونتائجه، خاصة فيما يتعلق بأوضاع العراق الداخلية السياسية والاقتصادية وبعلاقاته الدولية والإقليمية، خاصة مع الولايات المتحدة الأميركية وإيران.
عودة العراق الشقيق إلى الصف الخليجي مجدداً سيأتي مع الوقت نتيجة لحاجة الطرفين الماسة إلى بعضهما، في العراق العربي الحديث يشكل عمقاً استراتيجياً في مواجهة الجيران الأقواء المحيطين بدول مجلس التعاون والذين لديهم أطماع توسعية سياسية واقتصادية واستراتيجية معلن عنها جهاراً نهاراً، لكن حاجة العراق إلى أشقائه عرب الخليج العربي، هي أشد وأقوى، فبالإضافة إلى كونهم يشكلون له عمقاً استراتيجياً مستقبلياً من النواحي السياسية وربما العسكرية والاستراتيجية، دول الخليج العربي العربية تشكل بالنسبة لمستقبل العراق الاقتصادي بعداً لا تضاهيه أية دولة أخرى في عالم اليوم بما في ذلك الولايات المتحدة الأميركية وبريطانيا ودول الاتحاد الأوروبي.
ويعود السبب في ذلك إلى أن العراق يعاني حالياً من أزمات اقتصادية خانقة بسبب ما يعانيه من عدم استقرار سياسي صار مزمناً، ومن خلافات داخلية استطاعت إيران أن تؤججها على أسس مذهبية - طائفية وعرقية، ومن نشاط ظاهر ومستتر للإرهاب الذي يتجلى في أشكال مختلفة أهمها «داعش» و«القاعدة»، ويأتي فوق جميع ذلك تغلغل النفوذ الإيراني السياسي والعسكري والاستراتيجي والاقتصادي في مفاصل العراق.
ولو بقى العراق وحيداً واستمر سجيناً في أحضان التغلغل الخارجي، فلن ينهض مرة أخرى أو يسير نحو مستقبل أفضل، وعرب العراق الأحرار يدركون ذلك تمام الإدراك ويسعون إلى الخلاص السريع من ما آلت إليه أمور بلادهم.
إن تداعيات التغلغل الخارجي التوسعي الذي يتعرض له العراق حالياً يحمل إشارات تحذيرية عميقة لكافة الأطراف الضالعة في العراق من جانب، خاصة الولايات المتحدة ولتلك غير الضالعة في شؤونه حتى الآن، خاصة دول الخليج العربي والدول العربية الأخرى.
وهذه التداعيات تخضع لجدل وتثير تساؤلات ذات طبيعة سياسية وأخلاقية وتتعلق بالأحكام الخاطئة المسبقة التي صدرت من قبل الولايات المتحدة وغيرها من الدول الكبرى، وهو نقاش دائر وسيستمر لمدة طويلة قادمة.
حول الشأن العراقي وهيمنة إيران الحالية على الأحداث فيه، يدور جدل في جميع دول العالم تقريباً، ففي الولايات المتحدة والانتخابات الرئاسية والنصفية على الأبواب ينقسم «الجمهوريون» و«الديمقراطيون» على أنفسهم بحدة، رغم اختفاء ذلك تحت غطاء تحقيق المصالح العليا للبلاد، وفي أوروبا الآراء متفرقة بحدة، ففي حين ينتقد الفرنسيون إيران بحدة وبطريقة جادة، نرى دول أخرى ذات مواقف مهزوزة، وفي الصين وغيرها من دول آسيا، تزايدت الشكوك حول النوايا الإيرانية.
وفي العراق ذاته العراقيون مستاؤون جداً من ما تفعله إيران في بلادهم، والتغيرات الدرامية في السياسة والاقتصاد تأخذ مسارات غير مسيطر عليها وذات طبيعة غير هادئة تتزايد بشكل سريع أكبر من وتيرة الضلوع الإيراني، وتنذر بمخاطر وهزات عميقة قادمة.
وعليه، فإن العراقيون حكومة وشعباً يعلمون بأن ملاذهم الأخير هم أشقائهم عرب الخليج، وبأن التوجه إليهم بنية صادقة هو عين الصواب، فهناك من المصالح بين الطرفين يقرب كثيراً أكثر مما يفرق.
*كاتب إماراتي