قال الرئيس التركي أردوغان في تصريح له: «العمليات العسكرية في مدينة سرت الليبية مهمة وحساسة بسبب وجود آبار النفط والغاز، وسوف تسعى القوات التركية للسيطرة على مدينتي سرت والجفرة». ومَن لا يصدِّق الأطماع التركية في المنطقة العربية لن يشك فيها بعد هذا التصريح، وسيتأكد من تلك الأطماع التاريخية التي أصبحت واضحة وجليةً وإن بغطاء «الاتفاقية الرسمية» بين السرّاج وإردوغان. ولو عدنا بالذاكرة إلى الخلف قليلاً سنتذكر أن الرئيس التركي أدلى أيضاً بتصريح خطير بعد أن رفض معارضوه الاتفاق الموقّع مع السراج، حيث قال: «إن ليبيا بالنسبة لنا إرث عثماني، ولن نخذل جهود مصطفى كمال أتاتورك الذي أدى خدمات جليلة بصفته ضابطاً عثمانياً».
وتكمن أهمية مدينة سرت بالنسبة لتركيا بكونها تقع في المنتصف بين أهم مدينيتن ليبيتين، العاصمة طرابلس ومدينة بنغازي، وهي المنفذ لمنطقة الهلال النفطي الغني بالبترول وحقول الغاز، كما توجد على مسافة منها قاعدتا القرضابية والجفرة الجويتان، وهما أكبر القواعد العسكرية الليبية، حيث تشكل الجفرة غرفة عمليات الوطني الجيش الليبي بقيادة المشير حفتر. كما تتمتع سرت بمطار وميناء على البحر المتوسط يعدان من أهم المنافذ في البلاد. لذلك تعتبر الهدف الحالي لميليشيات السراج بقياد الأتراك، وما يزال خطر اقتحامها قائماً حتى بعد التحذيرات الروسية. ومن هنا تأتي أهمية المبادرة المصرية التي أُعلن عنها السبت الماضي، والتي رفضتها حكومة السراج مبدئياً، والهادفة لوقف إطلاق النار بين الأطراف المتنازعة وفي مقدمتهم حكومة «الوفاق» والجيش الوطني الليبي. وتسعي المبادرة إلى تفكيك الميليشيات المسلحة، وانتخاب مجلس رئاسي يمثل أقاليم ليبيا الثلاث بإشراف أممي، واستكمال أعمال اللجنة العسكرية.. وبالتالي إعادة توحيد مؤسسات الدولة الليبية. وقد حرصت مصر على إشراك المجتمع الدولي تحت مظلة الأمم المتحدة. ولاقت هذه المبادرة استحساناً وتأييداً دوليين، وسارعت لدعمها كلٌّ من المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة سعياً منهما لوقف الصراع وللعودة إلى المسار السياسي رغم وجود أكثر من لاعب إقليمي ودولي على الساحة الليبية الملتهبة، أخطرهم تركيا وتدخلاتها في ظل صمت أميركي مريب وموقف أكثر ريبة من جانب الأمم المتحدة التي لم تقم بأي عمل سوى التلويح بغطاء أممي لحكومة السراج المحسوبة على «الإخوان». وهو ذات الصمت الذي تمارسه بعض الدول العربية رغم خطورة الموقف في ليبيا والذي يعرّض المنطقة وأمنها القومي للخطر التركي وللأطماع التاريخية العثمانية في سلب خيرات المنطقة وأراضيها. وها هو الجيش التركي يزحف بآلياته وجنوده داخل هذه الأرض العربية وبدعم إيطالي لحكومة «الوفاق» تحكمه المصالح والعقود الاقتصادية، في حين أبدت فرنسا موقفاً جيداً وداعماً للمشير حفتر والجيش الوطني الليبي لا نعلم هل يستمر أو يظهر في الأفق موقف موحد للاتحاد الأوروبي!
هناك سيناريو قد يكون غير محتمل في الوقت الحالي، لكنه وارد في حال فشلت المبادرة المصرية، حيث قد تضطر مصر إلى أن تحمي أمنها القومي وتبادر بالحؤول دون الزحف التركي إلى حدودها أو وقف إنشاء قاعدة عسكرية تركية شرقي ليبيا أو تصدير الجماعات الإرهابية إلى حدودها.. فتتدخل عسكرياً لينشب صدام عسكري مصري تركي على الأراضي الليبية، مما يفضي إلى صراع متعدد الأطراف والتحالفات. فماذا لو حدث هذا السيناريو؟!
الحل الأنجع في الوقت الحالي هو أن تعمل مصر بأدواتها الإعلامية والدبلوماسية على حشد دولي لمبادرتها السلمية، ليصبح السراج وأردوغان في موقف رافض لأي حل دولي أممي سلمي!

*كاتبة سعودية