يتعرض الدولار الأميركي القوي لهزة بعد انخفاضه إلى أدنى مستوى له على أساس حساب حجم التجارة مع الدول الأخرى منذ مارس. وهذه علامة على أن التأثيرات الاقتصادية للأزمة تضعف حول العالم. وربما حان الوقت الذي يتعين فيه على الولايات المتحدة أن تكبح التحفيز الاقتصادي غير المحدود أو تدخر على الأقل بعض الإجراءات لما هو قادم للتصدي لمخاطر معينة وليس مجرد تحقيق السيولة في السوق.
وأنقذ الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي الأميركي) عالم المال بحُزمه النقدية التي لا تكل بعد أن ضخ ثلاثة تريليونات دولار في الشهور الثلاثة السابقة، وواجه الطلبَ العالمي المتصاعد على الدولار، وهو عملة الملاذ الآمن التي تتعرض لأزمة، ودعم الاقتصاد الأميركي وقطاعاً كبيراً من العالم النامي المرتبط باقتراض الدولار. ومع استعادة أسعار النفط زخمَها، تم تجاوز الخطر الآني من حدوث انهيار في الأسواق الناشئة. وقام الاحتياطي الفيدرالي بمهمته أيضاً في الداخل. فمؤشر ناسداك يقترب من أعلى قمة له على الإطلاق، وكذلك مؤشر ستاندرد آند بورز. ومن المؤكد أن مهمة استعادة الثقة في التقييم المالي قد اكتملت.
والجانب الآخر لهذا هو أنه بعد أن بلغ معدل الفائدة صفراً، تصاعد عجز الميزان الاتحادي وعائدات السندات الأميركية تكاد لا تكون أعلى من باقي العالم المتقدم وليس هناك الكثير من الحوافز للمستثمرين كي يلجأوا للدولار. ولا يُتوقع تحسن الأوضاع بسبب نزاع واشنطن مع بكين والاحتجاجات التي انتشرت في الولايات المتحدة خلال الأيام القليلة الماضية بسبب مقتل رجل أسود على يد ضابط شرطة واحتمال اتساع نطاق البطالة. ومازالت الأصول الأميركية تتمتع بجاذبية كبيرة، وانخفاض سعر صرف الدولار ليس إلا تخفيفاً لعلاوة المخاطر الكبيرة في الدول الأخرى التي فضلت الدولار. ويخشى جاي باول، رئيس الاحتياط الاتحادي، من احتمال أنه ربما بالغ في أقصى حد من السيولة أو تحول انخفاض الدولار في الآونة الأخيرة إلى هزيمة تامة. ولتحقيق التوازن، قلص الاحتياط الاتحادي الشراء اليومي للسندات من 75 مليار دولار في إحدى مراحل أزمة كوفيد-19 إلى أقل من عشرة مليارات.
ومن الصعب احتواء تأثر الموازنة العامة بزيادة ممتلكات الاحتياطي الفيدرالي بنسبة 70% لتصل إلى أكثر من سبعة تريليونات دولار في مثل هذا المدى القصير. ولا عجب أن الدولار كان من الضحايا. ولا غرابة إذا توقف الاحتياطي الفيدرالي قريباً عن التحفيز اليومي ليصبح أكثر انتقائية في شراء الأصول. وضعف الدولار يعكس أيضاً القوة النسبية للعملات الأخرى. فلم تقم الصين ولا اليابان بأي تحفيز على المستوى نفسه كما فعلت الولايات المتحدة. والنظير الأكثر تداولاً للدولار، وهو اليورو، سجل بعض المكاسب الكبيرة في الآونة الأخيرة. وصندوق التعافي للاتحاد الأوروبي الذي لم يتم الاتفاق عليه بعد ويبلغ 750 مليار يورو (840 مليار دولار) هو دليل على أن وحدة منطقة اليورو قد تتحقق أخيراً.
وعلاوة على هذا، ألقى برنامج التيسير الكمي للبنك المركزي الأوروبي للاستجابة على جائحة فيروس كورونا بثقله وراء الحلقة الأضعف في منطقة اليورو، وهي إيطاليا، وساعدها على أن تُبقي كلفة الاقتراض قريبة من تلك المعمول بها في ألمانيا. وإلغاء الإغلاق على امتداد أوروبا، دون تأثير ملحوظ على معدلات الإصابة بفيروس كورونا (أو على الأقل حتى الآن)، يعطي انطباعاً بأن الركود قد لا يكون بالعمق الذي خشيناه. وعزز البنك الأوروبي المركزي ميزانيته بأقل من 20%، رغم أن هذه النسبة يحتمل أن تزيد لاحقاً. وهذا قد يختبر قوة اليورو في الآونة الأخيرة وهو ما قد يصبح محل ترحيب من مصدّر كبير مثل ألمانيا.
وربما يكون ضعف الدولار هو الشيء الذي يحتاجه الاقتصاد العالمي لاستدامة التعافي الملائم كما يمنع انحراف تدفق رأس المال إلى عملة سائلة واحدة. والعائدات الأعلى المحتملة في الاقتصادات الناشئة ستعود للظهور مرة أخرى. وهذه ستكون أنباء جيدة أيضاً للمصدّرين الأميركيين الذين يحصلون على عائدات من الخارج. لقد قام الاحتياطي الفيدرالي بعمل رائع حتى الآن. لكن يتعين عليه الآن إدارة تقليص التحفيز بنجاح أيضاً.

*محلل اقتصادي مختص بأسواق أوروبا
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»