في الأسبوع الماضي، اقترحت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، إنشاء «صندوق تعاف» للاتحاد الأوروبي، بقيمة 500 مليار يورو (543 مليار دولار) من أجل مساعدة البلدان في مواجهة الصدمة الاقتصادية لكوفيد-19، وهو أمر أشاد به ماكرون باعتباره «خطوة غير مسبوقة».
ومن جانبها، دعمت ميركل الخطة أيضاً، لكنها شددت على أنها «جهد لمرة واحدة» بالنظر إلى «الطابع غير العادي للأزمة»، ومع ذلك، أشاد معلقون عديدون بالمقترح باعتباره «لحظة أوروبا الهاميلتونية»، وهو وصفٌ تبناه حتى وزير المالية الألماني أولاف شولتز، كما وصفه رئيس مجموعة اليورو ماريو سينتينو، بأنه «خطوة كبيرة في اتجاه الاتحاد المالي».
والواقع أن مبادرة ميركل -ماكرون قد تكون خطوة كبيرة إلى الأمام، في تحويل الاتحاد الأوروبي إلى اتحاد فيدرالي مثل الولايات المتحدة، غير أن الخطة ليست «لحظة هاميلتونية»، بقدر ما هي مثال آخر على عدم قدرة قادة الاتحاد الأوروبي على التوصل لاتفاق بشأن المشكلات البنيوية الجوهرية لمنطقة اليورو، أو كيفية معالجة مشكلات الديْن المستمرة لإيطاليا واليونان وبلدان أخرى مثقلة بالديون من منطقة اليورو.
وقد حدثت «اللحظة الهاميلتونية» الأصلية في عام 1790، عندما تغلب ألكسندر هاميلتون، أول وزير للخزانة في الولايات المتحدة، على معارضة توماس جيفرسون وجيمس ماديسون، وصاغ توافقاً تحملت فيه الحكومة الفيدرالية الأميركية ديون الولايات.
مقترح ميركل -ماكرون لا يشبه هذا التوافق بأي حال من الأحوال، وبدلاً من ذلك، يوحي المقترح بأن الاتحاد الأوروبي سيتصرف الآن مثل البنك الدولي، أي يقترض بتصنيفه الائتماني «أأأ»، ويمرر الائتمان إلى أعضائه كمنح، وهذا مختلف عن «آلية الاستقرار الأوروبية»، وهي صندوق الأزمات التابع للاتحاد الأوروبي، الذي يقوم بالإقراض فقط مثل صندوق النقد الدولي، شريطة تغييرات معينة في السياسات، غير أن المقترح الحالي ليس «خطوة كبيرة في اتجاه اتحاد مالي»، فالمفوضية الأوروبية لديها أصلاً 52 مليار يورو من السندات، و500 مليار يورو يُعد مبلغاً صغيراً، مقارنةً مع الحجم المتوقع للتداعيات الاقتصادية لكوفيد-19، وهو المرض الذي يسببه فيروس كورونا المستجد.
غير أنه حتى هذه المبادرة المتواضعة، أثارت معارضة متوقعة من بلدان الاتحاد الأوروبي الشمالية، إذ أصدرت مجموعة «الأربعة المقتصدين» (النمسا والدانمارك وهولندا والسويد) وثيقة غير رسمية، تعارض بشدة مقترح ميركل -ماكرون، ومما جاء فيها: «غير أننا لا نستطيع الاتفاق على أي أدوات أو تدابير، تؤدي إلى تشارك الديون أو إلى زيادات هامة في ميزانية الاتحاد الأوروبي»، وعلى الرغم من أن الدانمارك والنمسا أشارتا إلى أنهما قد تكونان مستعدتين للتوصل لحل وسط، إلا أنه من الواضح أن أعضاء الاتحاد الأوروبي ما زالوا منقسمين على أنفسهم، إذ ما زالت البلدان الشمالية، تعتقد أن مشاكل البلدان الجنوبية المدينة، إنما تعزى إلى سياساتها السيئة.
خبراء الاقتصاد السياسي يختلفون حول ما إن كان الاندماج الاقتصادي، ينبغي أن يسبق الاندماج السياسي، أو العكس، ففي الولايات المتحدة، حدث الاندماج السياسي أولاً، ثم تبعه في تسعينيات القرن الثامن عشر الاتحادُ المالي، لكن الاتحاد النقدي لم يحدث حتى منتصف القرن التاسع عشر.
ونظراً لأن الاتحاد الأوروبي أنشأ اتحاداً نقدياً قبل الاتحاد السياسي والمالي، فلا بد من أن طريقه سيبدو مختلفاً عن الطريق الأميركي، غير أن حدوث «لحظة هاميلتونية» حقاً في الاتحاد الأوروبي، سيحتاج إلى عنصرين اثنين على الأقل:
أولاً؛ سيتعين على البنك المركزي الأوروبي والمفوضية الأوروبية أن يتحملا ديون الدول الأعضاء، وربما يمكنهما تحمل كل الديون التي تتجاوز 60 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي لكل بلد عضو في الاتحاد الأوروبي، (وهو المعدل الذي حدده «ميثاق الاستقرار والنمو» الخاص بمنطقة اليورو، باعتباره الحد الأقصى للدين الوطني بعلاقة مع الناتج المحلي الإجمالي)، وعلى أقل تقدير، سيتعين على المركزي والمفوضية تقليص أعباء ديون بلدان منطقة اليورو بشكل جوهري وتقاسمها.
ثانياً؛ سيتعين على الاتحاد الأوروبي إصدار دين «فيدرالي» جديد مهم تابع للاتحاد الأوروبي، وإحدى الطرق التي يمكن أن ينجح بها هذا الأمر، تتمثل في عرض الاتحاد الأوروبي «سندات يورو» إلى جانب «خطة برادي» خاصة بمنطقة اليورو، وهي طريقة لكي يشجع بها الاتحاد الأوروبي الدائنين على مبادلة سندات وطنية بـ«سندات يورو»، بغية تقليص أعباء البلدان الأعضاء جراء الديون.
ولا شك في أن المقترح الفرنسي الألماني مهم جداً سياسياً، كما أن اللافت هنا أن قوة المقترح أتت مباشرة من وزارة المالية الألمانية، التي كانت تُعد في الماضي من أشد المعارضين لإصدار دين أوروبي، لكن مستوى ذاك الدين صغير جداً، كما أن وصف ميركل لصندوق التعافي بأنه مشروع لمرة واحدة أملته الظروف الاستثنائية لوباء فيروس كورونا، إنما يُبرز حدود تأثيره.
ومما لا شك فيه أنه لا ينبغي أبداً التقليل من شأن الخطوات الصغيرة، وأن «التعلم من الأخطاء» يمكن أن يؤدي إلى تحول مؤسسي كبير داخل الاتحاد الأوروبي، غير أنه من الحكمة أيضاً عدم المبالغة في وصف أهمية مقترح الأسبوع الماضي، وربما يثبت مقترح ميركل -ماكرون أنه لحظة مفصلية في الاندماج الأوروبي، غير أنه إذا كانت معارضة «الأربعة المقتصدين» تمثّل قطباً واحداً في التفاوض بين أعضاء الاتحاد الأوروبي الـ27 ومقترح ميركل -ماكرون هو القطب الآخر، فيمكن القول في هذه الحالة: إن جيفرسون وماديسون فازا في النقاش السياسي، وأن التوافق المحتمل لـ2020 لن يشبه أبداً توافق 1790.
ليست «لحظة هاميلتونية» أوروبية
 
مارك كوبلوفيتش
أستاذ العلوم السياسية والشؤون العامة بجامعة ويسكونسن الأميركية
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»