تتميز الاستراتيجية التي اتبعتها دولة الإمارات العربية المتحدة لمكافحة جائحة فيروس كورونا المستجد (كوفيد- 19) بحزمة من الخصائص التي جعلتها نموذجاً ملهماً للدول الأخرى، وجعلتها محط إعجاب وتقدير شديدين من قبل العديد من دول العالم والمنظمات والتقارير الدولية والخبراء والمختصين. وقد تأسست هذه الاستراتيجية على هدف أسمى، يتمثل في الحفاظ على صحة الإنسان وسلامة المجتمع كأولوية قصوى.
ولعل أهم ما ميز هذه الاستراتيجية فكرة المبادرة الاستباقية، حيث كانت دولة الإمارات في طليعة الدول التي تنبهت مبكراً لخطورة (كوفيد- 19) وأهمية اتخاذ كل الإجراءات الاحترازية للحيلولة دون تفشيه، فقامت بتطبيق العديد من هذه الإجراءات التي نجحت إلى حد كبير في حصار هذه الجائحة، التي غزت العالم بلا رحمة وحولته إلى جزر منعزلة، بعد أن كان يعج بالحركة التي لا تهدأ على مدار الساعة، ولم تبادر دولة الإمارات إلى حصار (كوفيد- 19) على الصعيد الداخلي فقط، بل بادرت إلى تقديم يد العون والمساعدة إلى الدول الأخرى، لحصار هذه الجائحة على الصعيد العالمي.
وبفعل ما تحقق من نجاح لافت للنظر في جهود دولة الإمارات المتواصلة لحصار جائحة فيروس كورونا المستجد (كوفيد- 19)، بدأت الجهات المعنية في تخفيف القيود التي كانت مفروضة على الحياة الطبيعية وعلى مجال النشاط الاقتصادي، ومنذ يوم الأحد الماضي قررت الهيئة الاتحادية للموارد البشرية الحكومية عودة العمل في جميع الوزارات والهيئات والمؤسسات الاتحادية، بحيث لا تزيد نسبة العاملين في أماكن العمل على 30% من المجموع الإجمالي للموظفين في المؤسسة، وتتزايد تدريجياً بناء على المستجدات، مع التقيد بكل الإجراءات الاحترازية التي تم إعلانها.
بَيْد أنه في الوقت الذي اتجهت فيه دولة الإمارات إلى إعادة الحياة الطبيعية بشكل تدريجي من خلال تخفيف القيود التي فرضتها لمواجهة الظروف الاستثنائية الخاصة بمكافحة (كوفيد- 19)، حرصت الجهات المعنية على توجيه رسالة شديدة اللهجة مفادها أن المعركة ضد هذه الجائحة لم تنتهِ بعد، وأنه لن يتم التهاون في مواجهة من يقومون باختراق الإجراءات الاحترازية، وتم تغليظ العقوبات بحق من يعبث بهذه الإجراءات.
وتكشف عملية المراجعة الدورية للإجراءات الاحترازية المتخذة لمكافحة جائحة فيروس كورونا المستجد (كوفيد- 19) في الدولة، ما تتمتع به الاستراتيجية الإماراتية لمكافحة هذه الجائحة من مرونة كبيرة، حيث يتم اتخاذ إجراءات جديدة والتخلي عن العمل ببعض الإجراءات التي تم اتخاذها وفقاً لمستجدات الموقف في أرجاء الدولة كافة، وفي كل إمارة على حدة، ومن هذا المنطلق أعلنت الجهات المختصة في إمارة أبوظبي يوم الأحد الماضي حظر التنقل من وإلى الإمارة ومن وإلى مدنها لمدة أسبوع، وقد بدأ تطبيق هذا الحظر منذ الثاني من يونيو الجاري.
ومما لا شك فيه أن هذا القرار يؤكد الرسالة التي تريد الدولة توجيهها إلى كل شعب الإمارات من مواطنين ومقيمين بأن المواجهة الشرسة مع (كوفيد- 19) ما زالت مستمرة، بل وعلى أشُدها، للحفاظ على سلامة المجتمع وصحة الإنسان، فعودة الحياة التدريجية إلى إمارات الدولة كافة، قد تغري كثيرين بالتخلي عن احتياطاتهم للوقاية من العدوى من هذا الفيروس الفتاك، الذي أودى بحياة مئات الآلاف وتجاوز عدد المصابين به أكثر من ستة ملايين نسمة في دول العالم المختلفة، وما زال يتنشر بشدة مخلفاً المزيد من الضحايا كل يوم.
إن الجهات المعنية في دولة الإمارات العربية المتحدة تدرك أن الأجواء باتت مهيأة للعودة التدريجية للحياة الطبيعية، بفعل ما تحقق من نجاحات لافتة للنظر في الجهود الخاصة بحصار (كوفيد- 19)، وكذلك بفعل التجاوب مع الاتجاه العالمي لإعادة تدوير عجلة النشاط الاقتصادي مرة أخرى، لتفادي المزيد من الخسائر، ولكن هذه الجهات تدرك، وفي ظل توجيهات قيادتنا الرشيدة، أن العودة إلى الحياة الطبيعة لا ينبغي بأي حال من الأحوال أن تكون على حساب صحة أفراد المجتمع وسلامتهم.

عن نشرة «أخبار الساعة» الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية