لا يزال في إمكان الحكومة الإسرائيلية ضم ثلاثين في المئة من أراضي الصفة الغربية، طالما أنها تراهن على ثلاثة معطيات: الأول، عدم معارضة الولايات المتحدة، رغم ما تسرّب عن طلب البيت الأبيض إبطاء العملية، أو حصرها، بفرض «السيادة على المستوطنات»، وهو ما يعتبر أمراً واقعاً حالياً. والثاني، الإعلان المسبق عن اعتماد القوة العسكرية ضد أي احتجاجات فلسطينية. والثالث، بقاء ردود الفعل العربية والدولية في حدود غير مقلقة سياسياً وغير مؤثّرة اقتصادياً بالنسبة لإسرائيل. المفارقة أن أحزاب المستوطنات، وهي على يمين اليمين الحاكم، تعارض مشروع الضم، كما تحاول الحكومة تفصيله، كونها تريد ضمّاً شاملاً يذهب أبعد من خطة ترامب - نتنياهو، بحيث يضمن نهائياً وعملياً دفن خيار «حل الدولتين» حتى لو استمرّ الحديث عنه نظرياً.
وإذا كان موقف المستوطنين يبدو أكثر تطرّفاً من مواقف «ليكود» والأحزاب الأخرى، بل يُقال في الإعلام العبري إنه مزعج أو مربك لرئيس الحكومة، فإن وجود مثل هذا الموقف يساعد نتنياهو على الظهور كأنه «معتدل» في طرحه مسألة ضم الأراضي، لكن المتابعين والمحللين يعرفون أن لعبة توزيع الأدوار تقليد سياسي دائم في إسرائيل. وقد أشارت افتتاحية لـ«نيويورك تايمز»، على نحو وافٍ، إلى أن ضمّ الأراضي ليس فقط مسألة تهم الرئيس الأميركي ورئيس الوزراء الإسرائيلي وطموحاتهما الانتخابية والسياسية، بل هي أكثر تعقيداً على المديين القريب والأبعد من «السهولة» البادية في إمكان تطبيقها. وكان لافتاً أن الصحيفة المساندة تاريخياً لإسرائيل، اختارت لافتتاحيتها عنوان «ضم الأراضي غير شرعي»، وليس واضحاً ما إذا كان موقفها موضوعياً، أم أنها اتخذته في سياق معارضتها الشديدة لمجمل سياسات ترامب.
الأكيد أنه للمرّة الأولى في تاريخ العلاقات الإسرائيلية الأميركية، يحدث تعارض واضح بين الحزبين الرئيسيين حول قضية تتعلّق بإسرائيل، ولو لم يلمس المرشح «الديمقراطي» جو بايدن أن الانقسام في حزبه بشأن الأراضي الفلسطينية يستوجب توضيحاً منه، لَما بادر إلى إعلان أنه سيعكس الموقف الأميركي إذا انتخب. لا شك أن التغييرات الطارئة على الساحة الأميركية، مثل انتشار فيروس كورونا بمعدلات عالية، والأزمة الاقتصادية الناجمة عنه، وأخيراً الاضطرابات الاجتماعية على خلفية قتل شرطي أبيض لرجل أسود في واقعة مصوّرة.. انعكست على المشهد الانتخابي، ولابدّ لإسرائيل من أن تأخذ المستجدّات في اعتبارها. لكن نتنياهو يريد انتهاز اللحظة الراهنة وحصد مكاسبها، على أن يتعامل لاحقاً مع التداعيات، بمعزلٍ عمّن يكون الرئيس في البيت الأبيض، السنة المقبلة.
وإذا صحّت المعلومات حول طلب إدارة ترامب تعديل خطط ضم الأراضي، فهذا يعني أحد أمرين: أولاً، أن واشنطن لا تقلّل من المآخذ التي تلقتّها من بعض العواصم، ومفادها أن عملية الضمّ بالطريقة الأحادية التي يتّبعها نتنياهو تتعارض حتّى مع بنود «صفقة القرن». وثانياً، أن الأوضاع المعقّدة التي استجدّت في الولايات المتحدة تتطلّب بعض التريث من دون أي تغيير في التفاهمات الرئيسية بين ترامب ونتنياهو. والواقع أن عدم استعداد العالم للاعتراف بضمّ الأراضي الفلسطينية أعاد إلى الواجهة الحقيقة التي تجاهلتها واشنطن، وهي أن خطتها غير متوازنة سياسياً وحقوقياً وجغرافياً، وأنها تعرض على الجانب الفلسطيني حفنة من المليارات، لقاء حلّ مجحف.