أدى اغتيال زعيم حركة الحقوق المدنية مارتن لوثر كينج، في مدينة ممفيس بولاية تينيسي يوم الرابع من أبريل 1968، إلى عدة أيام من الاحتجاجات وأعمال الشغب والنهب والحرائق في المدن الأميركية الرئيسية. وعلى الرغم من أن غضب الأميركيين الأفارقة كان مبرراً، إلا أن أعمال الشغب أدت إلى نتائج عكسية، على اعتبار أن معظم المباني التي أُحرقت كانت تخدم مجتمعاتهم وتساعدها. وقد استغرق الأمر سنوات حتى تتعافى أحياء الأميركيين الأفارقة من آثار بضعة أيام من العنف. وقد وقعت الاضطرابات على خلفية اغتيال كينج في وقت كانت فيه الولايات المتحدة منقسمةً على نفسها بمرارة بسبب الحرب المأساوية في فيتنام التي كانت تؤدي إلى وفاة الآلاف كل أسبوع، ومن بينهم الكثير من الجنود الأميركيين الشباب الذين جُندوا من أجل القتال في تلك الحرب.
واليوم، تجد الولايات المتحدة نفسها في وضع قاتم مماثل. ذلك أن القتل المفاجئ، في الخامس والعشرين من مايو 2020، لرجل أسود يدعى جورج فلويد عندما كان معتقلا من قبل شرطة مينيابوليس صوِّر بواسطة كاميرا فيديو، فتحول إلى حدث أثار أسوأ أعمال شغب تشهدها المدن الأميركية منذ 1968. فعلى مدى أيام، احتشد متظاهرون من أجل رفع أصواتهم احتجاجاً على ما يعتبرونه عنصريةً ممنهجةً من قبل الشرطة. وكانت هذه المظاهرات سلميةً خلال معظم ساعات النهار، لكن مع هبوط الظلام، ظهرت مجموعات مختلفة من الشباب يحدوها هدف وحيد هو خلق الفوضى عبر إشعال النيران، وتحطيم واجهات المتاجر، والمشاركة في أعمال نهب واسعة. وعلى نحو لا مفر منه، خصصت وسائل الإعلام الحيز الأكبر من تغطيتها لأعمال العنف وليس للأحداث السلمية. ومثلما تفعل دائماً، قسّمت تلك الصور المجتمع إلى قسمين، إذ يصف العديد من المواطنين الاحتجاجات بأنها مشكلة «قانون ونظام» بدلا من اعتبارها رد فعل حقيقيا على سلوك سيئ من قبل قوات الشرطة.
وخلال معظم الأسبوع الماضي، اختفى الرئيس ترامب عن الأنظار، وقيل إنه كان موجوداً لبعض الوقت في مخبئه الآمن الواقع تحت البيت الأبيض. لكنه في يوم الاثنين فاتح يونيو، ألقى كلمة حول «القانون والنظام» في «حديقة الزهور» بالبيت الأبيض، ثم قرر زيارة كنيسة مجاورة على الطرف الآخر من الشارع المحاذي للبيت الأبيض، والتي كانت قد لحقت بها بعض الأضرار في الليلة السابقة. لكن المشكلة هي أن المنطقة الواقعة بين البيت الأبيض والكنيسة هي ساحة «لافاييت» الشهيرة التي كانت مليئةً بالمحتجين السلميين. وحتى يستطيع قطع المسافة القصيرة إلى الكنيسة مشياً على القدمين، استخدمت قوات الأمن الفيدرالية الغازات المسيلة للدموع والمقذوفات غير القاتلة لتفريق الحشود وإخلاء الساحة منهم. بعدئذ ذهب الرئيس إلى الكنيسة ووقف أمامها حاملا «الكتاب المقدس» بيد حتى تلتقط له صور من قبل الصحافيين. إلا أنه لم يفتح «الكتاب المقدس»، ولم يقرأ منه أو يستشهد به، ولم يدخل إلى الكنيسة. هذا الأمر أثار عدة تعليقات منتقدة، ويمكن القول إنه يرمز إلى المأزق الذي يواجهه الرئيس.
ويأتي مقتل جورج فلويد في وقت يواصل فيه فيروس كورونا انتشاره في الولايات المتحدة، إذ بات عدد الوفيات الآن يفوق 106 آلاف حالة، ليظل بذلك الأعلى في العالم. ولا شك في أن غياب «التباعد الاجتماعي» خلال الاحتجاجات العديدة التي اندلعت عبر البلاد سيؤدي إلى مزيد من تفشي الفيروس، مما سيؤخر بالتالي جهود إعادة إطلاق الاقتصاد العليل ويصعِّب الرهان بالنسبة لانتخابات نوفمبر الرئاسية.
والمؤكد أن الاحتجاجات الحالية وحالات فيروس كورونا المتزايدة سيكونان موضوعين محوريين في الانتخابات الرئاسية المقبلة. في الوقت الراهن، تمنح استطلاعات الرأي ترامب نقاطاً ضعيفة بسبب طريقة تعاطيه مع الأزمتين. غير أنه في حال تواصلت الاحتجاجات في المدن الكبيرة وأصبحت أكثر عنفاً، فإن دعوة ترامب إلى عمل صارم باستخدام القوات الفيدرالية لمساعدة الشرطة المحلية في قمع مثيري أعمال الشغب والنهب، يمكن أن تنال إعجاب الكثير من الأميركيين الذين يخشون الفوضى في الشوارع. لكن من جهة أخرى، إذا ظلت الاحتجاجات سلمية بشكل عام وفشل ترامب في إظهار أي زعامة في معالجة البلاد، فإنه سيخسر دعم مجموعات بالغة الأهمية صوّتت له في 2016. وهذا ينطبق بشكل خاص على المواطنين كبار السن ونساء الضواحي.