إن المتتبع للصحافة التركية يندهش، ليس فقط من حجم المطامع التركية في الدول العربية، والهوس التركي بإعادة الخلافة والاستعمار العثمانيين، بل أيضاً من وقاحة نظام أردوغان والإعلام التابع له، بحيث يستكثر على أي دولة عربية دوراً لها في الدول العربية ذات النزاع مثل سوريا وليبيا، هذه الوقاحة نجدها في الصحافة التركية، التي لم يتبق لها إلا أن تقول: دعونا نستعمركم أيها العرب، واصمتوا من دون التفوه بكلمة واحدة.
في مقالة للكاتب والصحفي التركي، يحيى بوستان،  بصحيفة «الصباح اليومية» بعنوان: «ما تخبئه تركيا للإمارات» بتاريخ 27 مايو 2020، التي تهجم بها على دولة الإمارات العربية المتحدة، لأنها تؤيد الجيش الوطني الليبي، وترعى سياسات مناهضة لتركيا في المنطقة، ومع أن تركيا دولة غير عربية وتبعد آلاف الأميال عن ليبيا، ولن يمس تركيا أي ضرر لأمنها القومي نتيجة لما يحدث في ليبيا، إلا أن الكاتب يبرر التدخل التركي، ويعتبره من حقها لهزيمة المشير حفتر.
يستمر الكاتب بهجومه متحججاً بذلك، أن الإمارات تستخدم قوتها المالية لتمويل جماعات الضغط المناهضة لتركيا حول العالم، ولا نعلم ما دخل دعم الإمارات للمشير حفتر بتمويل جماعات الضغط ضدها، إلا إذا اعتبر الكاتب أن ليبيا جزء من ممتلكات تركيا.
إن أكثر ما يدعو إلى إطلاق يد تركيا في ليبيا على مرأى العالم ومسمعه، وحشدها للمرتزقة وأغلبهم من معتنقين لفكر «القاعدة» و«داعش» الإرهابي، هو ذلك التباين الدولي سواء الأوروبي أو الأميركي في الشأن الليبي، فإيطاليا مثلاً تدعم حكومة الوفاق «الإخوانية»، التي يسعى البرلمان الليبي لسحب الاعتراف بها، لأنها فشلت في دحر الدعم التركي للميليشيات، وفرنسا تدعم الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر، الذي يسعى البرلمان لدعمه لمكافحة الإرهاب في كل ربوع ليبيا، كذلك الولايات المتحدة الأميركية منشقة على نفسها، فقد عقد عدد من المسؤولين في إدارة ترامب عدة اجتماعات مع سياسيين متحالفين مع المشير حفتر، ملمحين إلى أن الإدارة قد تعيد التفكير في سياستها بشأن ليبيا، وقد شكر ترامب المشير حفتر على دوره المهم في مكافحة الإرهاب، لكن موقف الإدارة الأميركية مختلف عن وزارة الخارجية الأميركية الداعم لحكومة «الوفاق» الإخوانية، هذا التباين الإقليمي والدولي هو الذي تستغله تركيا لمصلحتها.
ليس مستغرباً أن تكون أبواق الإعلام التركي مرآة لسياسة نظام أردوغان الاستعلائية في المنطقة، والتي لطالما دأبت على توتيرها بالتدخلات السافرة، تارة لدعم ما يسمى «الربيع العربي»، أملاً في تمكين جماعة «الإخوان» الإرهابية من الوصول إلى السلطة في بعض البلدان العربية، وتارة أخرى لبسط نفوذ تركيا وتحقيق أطماعها في ثروات المنطقة، ففي ليبيا تريد تركيا ثروات النفط والغاز المكتشفة في البحر الأبيض المتوسط، وفي سوريا ظهرت انتهازية السياسة التركية عبر المتاجرة باللاجئين السوريين مقابل مليارات اليوروهات، واستغلال الأزمة في التقارب مع روسيا، الغريب أيضاً عودة المنطق الاستعماري والاستعلائي للسياسة التركية في زمن أردوغان، وكأن المنطقة العربية لا تزال تحت السيطرة العثمانية، وهذا منطق لن ولم يقبله أي عربي حر ينشد الاستقرار لبلاده والمنطقة.
*باحثة سعودية في الإعلام السياسي