دعا صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة إلى التخلي عن العقلية التي تقود البعض إلى حالة من الاستهلاك والإسراف، وطالب بالحد من ممارسات كهذه. إن دعوة صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان إلى عقلنة الاستهلاك وعدم الإسراف، هدفها رفع الوعي الاستهلاكي وإعادة النظر في سلوكيات كثيراً ما أثقلت كواهل الأفراد والأسر بمديونيات عانت جراءها. وأعتقد أننا ننفق سنوياً مليارات الدراهم على استيراد ما لا نحتاج إليه من الكماليات، وأن هناك صوراً من الاستهلاك الباذخ الذي أنهك العديد من الأشخاص وورطهم في ديون ثقيلة. ونعلم أن الاستهلاك المفرط هو أحد العوامل التي ساهمت في الإخلال بمعادلة الاكتفاء الذاتي في كثير من دول العالم العربي الذي أصبح يستورد ما يقارب ثلث إنتاج العالم.
إن الحديث عن ظاهرة الاستهلاك يقودنا أيضاً إلى القول بضرورة ترشيد الاستهلاك والحفاظ على المال العام ودور المسؤولين في توفير وصيانة الأموال العامة وصرفها في ما يخدم سياسات التنمية. فالمناهج الدراسية، على سبيل المثال، صناعة تتعامل مع آلاف الطلبة والمعلمين وتحتاج إلى موارد مالية كبيرة لأنها من أهم الاستثمارات التي يفترض أن يحرص المسؤولون فيها على الصرف بأكبر قدر ممكن من العقلانية والرشد، وأن تقودهم أفكارهم الإبداعية ورؤيتهم الاستراتيجية ومهارتهم الإدارية والابتكارية والقيادية إلى صناعة «مناهج وطنية»، خاصة أن التعليم في الدولة يملك خبرة عمرها أكثر من خمسة عقود، ويملك الكثير من المختصين المحليين ممن أصبحوا يمثلون رأس مال رمزي ومورداً اقتصادياً للدولة يمكن تصديره للخارج.
لقد كان لحمى الاستهلاك والإسراف التي اجتاحت العالم العربي ككل، دور جوهري في جعل الفرد والأسرة يسعيان دائماً وراء الممارسات الاستهلاكية التي شجعتها قيم السوق والتأثير الإعلامي الطاغي.
ولا شك أن الإسراف والتكالب على الاستهلاك أمران ليسا من الدين أو القيم المجتمعية أو التقاليد المحلية في شيء، إذ يطلقان داخل الإنسان روح التسابق على التملك المادي خارج أي أطر أخلاقية أو قيمية.
وقد وصف «هيربرت هوفر»، وزير التجارة الأميركي ومرشح الرئاسة السابق، التحول الذي شهده المجتمع الرأسمالي الغربي بقوله: «في ثمانينيات القرن الماضي كان الناس يتقاسمون المسرات، وكانت القرية تتمتع بالاكتفاء الذاتي، حيث كانت توزع القمح والذرة وتطحنهما في مطاحنها، وكانت مكتفية ذاتياً، فيما يتعلق باللحوم والمنسوجات والأقمشة. وكنا نقوم بأنفسنا بإصلاح المحركات، وكنا نحصل على الخشب، كما شيدنا البنايات وصنعنا الصابون اللازم لنا، وحفظنا الفواكه، وأنتجنا الخضروات وحفظناها، وكان الشيء القليل فقط من لوازم العائلة يتم شراؤه من الخارج.. ومنذ الطفولة كنت أرى الناس فرحين وسعداء ولم يكونوا رهناً للتقلبات التي تحدث في السوق والبورصة، حيث ينتقل الناس من الراحة إلى القلق والهموم بسبب الثقافة الاستهلاكية الجديدة». ويطرح «هوفر» سؤالاً على فريقه الانتخابي: «ما هي الخطط البديلة التي أعددناها لمواجهة الأزمات والتحديات الاستهلاكية؟ وهل تعملون برؤية واضحة وبعيدة المدى لمعالجة هذه الأزمات؟ ويختم: إن الأوطان تبنى بالعقول التي تملك الرؤية الاستراتيجية الصحيحة والبعيدة والواضحة والمستقبلية، حيث تستطيع استشراف التحديات والأزمات التي قد تنشأ في المستقبل.


*كاتب إماراتي