تجنباً لعواقب الفيروس الذي اجتاح العالم تم تأجيل العديد من الأحداث والمناسبات المحلية والعالمية. وكثيرون جداً هم الذين لحق بهم الضرر سواء على المستوى الشخصي أو العالم، وباتت معظم الأمور معلقة كإجراء وقائي بهدف الحفاظ على السلامة الشخصية والعامة، وتحت بند (حتى إشعار آخر) لا بد أن نستوعب الأمر تماماً.
قبل الجائحة كانت هناك مناسبات محلية شبه ثابتة موسمياً أحرص على التفرغ لحضورها، مثل معرض أبوظبي الدولي للكتاب وما يصاحبه أو يتزامن معه من أنشطة، لكن الفيروس حرمني مثلما حرم الآلاف من دفء التظاهرات الثقافية التي كانت تزين أيام وليالي أبوظبي، كجائزتي الشيخ زايد للكتاب وبوكر العربية اللتين أعلنتا عن أسماء الفائزين بهما مؤخراً في حفل افتراضي.
فقد أعلنت جائزة زايد للكتاب في دورة هذا العام 2020 وعبر بث مباشر على الإنترنت عن فوز ستة كتاب وأدباء بها، ولا شك أن تلك الجائزة التي جسدت قيمة الاسم الذي تحمله تحظى بمكانة بارزة وبثقة كبيرة لدى المهتمين بالشأن المعرفي والفكري، فخلال سنوات قليلة أثبتت الحضور الذي تستحقه على مستوى المنطقة والعالم، وهي التي احتفت على مدار الدورات الماضية بعدد من أهم وأبرز العقول التي قدمت إسهامات قيّمة في مجالات مختلفة من الفكر والأدب والعلوم الاجتماعية، وكرمتهم كما يليق باسمها، وفي هذا العام قررت الجائزة منح لقب شخصية العام الثقافية للأديبة الفلسطينية د. سلمى الخضراء الجيوسي تقديراً لها على إنجازاتها المتميزة، وخصوصاً في مجال الترجمة، وهي التي عملت منفردة على عدة مشاريع بحثية ودراسية مرتبطة بالحضارتين العربية والإسلامية وبالأدب العربي المعاصر، ليكون ما قدمته مرجعاً مهماً للغرب وجامعاته.
وبناءً على اهتمام الجائزة بالترجمة، فقد أطلقت عدداً من المبادرات والمنح التي من شأنها أن تعزز مكانة الثقافة واللغة العربية بين الجوائز العالمية، ومن أهمها «منحة الترجمة» التي تهدف إلى بناء جسر يحقق المزيد من التواصل والتبادل الثقافي بين العالم، وبالتالي دعم حركة الترجمة والتعريب من وإلى العربية.
أما جائزة بوكر للرواية العربية فقد منحت هذا العام للكاتب الجزائري عبد الوهاب عيساوي عن روايته «الديوان الإسبرطي»، والتي ستترجم إلى لغات أجنبية، الأمر الذي سيسهم بالضرورة في وصول كتاب عربي آخر إلى الناطقين باللغات الأخرى ليتعرفوا أكثر على جانب من جوانب ثقافتنا ومبدعيها.
ومما لا شك فيه أن الجائزة كمؤسسة وطنية فتحت أمامي وأمام كثيرين غيري فرصة التعرف على كتّاب مبدعين من مشرق الوطن العربي ومغربه، وبالتالي حركت الجائزة المياه الراكدة في مجال الرواية العربية من حيث فتح الباب أمام دور النشر لترشيح أهم أعمال الكتّاب.
وبالتالي يصح القول بأن الحراك الثقافي الذي اشتغلت عليه الإمارات في السنوات الأخيرة يعكس مدى تقديرها للإبداع عموماً والعربي خصوصاً، ومدى اهتمامها بفتح الآفاق أمام الشعوب وتوفير فرص اللقاءات بهم وذلك عبر الفكر والفنون والآداب بمختلف فروعها ومجالاتها، أي عبر الكتاب والقطعة الموسيقية واللوحة والعمل النحتي وغير ذلك من الأعمال الفنية والأدبية.
وإذا كانت الظروف في هذا العام قد حالت بيننا وبين الفعاليات الثقافية التي تستقطب في العادة أناساً من مختلف المشارب، فإن القادم أجمل بالتأكيد، وخاصة بعد غياب، فهذه الفعاليات وسواها قادرة على مد المزيد من جسور التواصل بين الناس، وخلق حالة من فهم الآخر واحترامه، وليس برأيي أهم من ذلك لطالما أن ذلك يحقق المزيد من التآلف والتسامح فيما بين الناس، ويعمق علاقاتهم ببعضهم بما يفيد البلاد جلّها.