رؤساء وحكومات، علماء وأكاديميون، كتّاب ومعلّقون، وأناس عاديّون... تجمع بينهم في هذه الأيام حزمة من الأسئلة: أين وصل العالم مع فيروس كورونا ووبائه؟ وهل بلغ الفيروس موجاته الأخيرة؟ وكيف ستُنظّم المجتمعات التعايش معه؟ وماذا عن الخروج من العزل المنزلي، واللقاح المرتقب، واحتمالات معاودة الانتشار الفيروسي، والخسائر الاقتصادية، ومصير الشركات والأعمال والوظائف، وآثار الإغلاق على التعليم، وإعادة فتح المدارس والجامعات؟
لا شك أن الحكومات تحاول بلورة إجابات وتصوّرات، لكن الجميع يعانون فجوات متفاوتة من عدم اليقين، لأنهم إزاء فيروس لم يكشف كل أسراره بعد، بل بيّنت الأبحاث على المتعافين منه أنه يعمل بأشكال مختلفة مع كل جسم يقع ضحيّته. وربما يمكن التعميم بأن تداعياته على الحياة العامة، وعلى المؤسسات والقطاعات، لن تكون متماثلة.
فيما يجتاز الوباء عتبة الخمسة ملايين إصابة ليصل في بعض البلدان إلى الموجة الثالثة التي قيل إنها تحمل مؤشّرات تراجعه، فإذا بأرقامه تتقافز صعوداً في بلدان كانت تعتقد أنها مرّرت الجائحة بأقلّ الأضرار. كل الحكومات التي حاولت، علناً أو ضمناً، الاعتماد على «المناعة الجماعية» أو «مناعة القطيع»، خيّب الواقع توقّعاتها، في بريطانيا والولايات المتحدة كما في البرازيل وفرنسا (في بداية انتشار الفيروس). وكل الحكومات التي جازفت بتعجيل إنهاء الإغلاق ما لبثت أن فوجئت بارتدادات الوباء واضطرّت لتجديد عزل بعض المناطق. ومثل هذه النتائج كان متوقّعاً، فالاختصاصيّون حذّروا دائماً من مصابين بلا أعراض قد ينقلون عدوى خطيرة على حياة آخرين.
وثمّة في السباق إلى اللقاح ما يثير التساؤلات. لم يكن متخَيَّلا أن يكون هناك تضامن دولي في هذا المجال، نظراً لما فيه من رهانات تجارية، ومن تنافس على التفوّق العلمي. المعروف حتى الآن أن لقاحاً شافياً لن يجهز قبل 2021، لذا تنصب المنافسة حالياً على أدوية موجودة وجرى تعديلها على أمل أن تقاوم بعض مفاعيل الفيروس. أحد مباعث القلق أن نشوب «الحرب الباردة» بين الولايات المتحدة والصين عطّل تبادل المعلومات العلمية، والأكثر إقلاقاً ما يُسرَّب عن محاولات اختراق للحصول على ما توصّلت إليه الأبحاث هنا وهناك. ورغم أن الاطلاع على مصدر الفيروس عنصرٌ مهم في أبحاث اللقاح، فإن بعض الدول لم تتعاون في هذا المجال ولم توضح أسبابها.
وخلال الشهر الأول من عزلٍ منزلي شمل أكثر من نصف البشرية للمرّة الأولى في تاريخها، شاعت استشرافات كثيرة لما سيكون عليه العالم بعد الوباء. لعل الخلاصة الأكثر تداولا كانت أن العالم تعلّم درساً قاسياً جرّاء ما اكتشفه من ثغرٍ في تعامله مع القطاع الصحّي تراوح بين إهماله عموماً وعدم توفير الميزانيات لتطويره. والخلاصة الأخرى أن الوباء سيفرض أنماطاً جديدة على العيش أكثر اعتماداً على المنتجات المحلية. وهناك أيضاً الخلاصة القائلة بضرورة اتّباع سياسات أكثر احتراماً للطبيعة لدى التخطيط للمشاريع الكبرى. هل ستفكّر الحكومات بهذه الاستحقاقات في مواجهتها لما بعد الوباء؟ ربما تفعل، لكنها تهجس الآن بإنقاذ الاقتصاد من المخاطر التي عصفت به.

*كاتب ومحلل سياسي -لندن