يتفاقم الصراع الممتد في ليبيا منذ خمس سنوات مع تصاعد التدخل الخارجي التركي على الساحة الليبية، حيث تتضارب المصالح وتتداخل الحسابات بين القوى الإقليمية والدولية، مما يفضي إلى تعقيد حسم الصراع وإحلال السلام على الساحة الليبية. وفي تغريدات لوزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية معالي الدكتور أنور قرقاش، في 19 مايو الجاري، أكد من جديد على أنه لا يمكن إحراز أي تقدم حقيقي على الساحة الليبية دون وقف فوري وشامل لإطلاق النار والعودة إلى مسار العملية السياسية، وإيقاف التصعيد الإقليمي، حيث قال: «نجدد الموقف الواضح لدولة الإمارات من الأزمة الليبية والمتصل بموقف المجتمع الدولي».
وتأتي هذه التصريحات بعد مزاعم لوزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، في 12 مايو، عقب البيان المشترك الصادر من وزراء خارجية كل من قبرص ومصر وفرنسا واليونان والإمارات، والذي أدان دور أنقرة في ليبيا وتحركاتها في منطقة المتوسط، حيث طالب الوزراءُ تركيا بـ«الاحترام الكامل لسيادة كافة الدول وحقوقها السيادية في نطاقاتها البحرية في شرق المتوسط»، كذلك شجب وزراء الخارجية «التدخل العسكري لتركيا في ليبيا»، كما حَثوها على احترام حظر الأسلحة المفروض من الأمم المتحدة في ليبيا والتوقف عن إدخال المقاتلين الأجانب إلى الأراضي الليبية، إذ أن «هذه التطورات تمثل تهديداً لاستقرار جيران ليبيا في أفريقيا وأوروبا» أيضاً.
وكان الرئيس التركي أردوغان قد أعلن في يناير الماضي عن إرسال جنود أتراك إلى ليبيا مقابل تمكينه من حقول الغاز في البحر الأبيض المتوسط، لأن جزءاً من هذه الحقول يقع في المياه الإقليمية الليبية، وذلك بموجب اتفاق وقعته أنقرة مع فائز السرّاج رئيس «حكومة الوفاق» في طرابلس. وفي ذات الوقت استمرت تركيا في نقل المقاتلين السوريين إلى ليبيا، من أجل القتال إلى جانب فصائل «الوفاق» ضد الجيش الوطني الليبي. ورغم تصريح أردوغان عقب مؤتمر برلين مباشرة بأن الدعم التركي لحكومة «الوفاق» يقتصر على إيفاد مستشارين للقيام بمهام تدريبية فقط، فإن تركيا -وبالقرائن- استمرت في نقل مقاتلين ومعدات عسكرية إلى طرابلس معتمدةً على سفن شحن تجارية وبوارج حربية، لاسيما في ضوء التفوق الجوي للجيش الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر.
وقد بادر الاتحاد الأوروبي إلى الإعلان عن مهمة «إيريني» لمراقبة الحظر الأممي على توريد الأسلحة المفروض ضد ليبيا في نهاية مارس الماضي، وانطلقت العملية في السابع من مايو لتحل محل مهمة «صوفيا» التي أطلقت عام 2015، لكنها مكلفة فقط بمراقبة حظر الأسلحة دون التدخل في تهريب البشر رغم أن الدور الأوروبي ما يزال محدود التأثير في مسارات حل الأزمة الليبية.
عمل الرئيس التركي على استيراد الحرب الأهلية السورية إلى ليبيا، وبسبب المصالح الاقتصادية التركية في ليبيا والسعي من أجل موارد الغاز في البحر الأبيض المتوسط، أشعل الحرب هناك، بينما تبدو الحكومة التي ترفع لافتة «الشرعية» أبعد ما تكون عن تنفيذ مقررات برلين أو الالتزام بالهدنة المعلنة. لكن من المؤكد أن مؤتمر برلين أعاد صياغة الدور الأوروبي من جديد في الملف الليبي بعد أن دخل العامل التركي كعامل مؤجج للصراع ومساهم في زيادة تعقيد المشهد السياسي.
واليوم ترمي الأطراف الدولية والإقليمية بثقلها في الساحة الليبية، لكن صعوبة الحل السياسي تزداد وتتفاقم على رقعة الشطرنج المتحولة.

*كاتبة إماراتية