منذ ظهور فيروس «كوفيد - 19» ديسمبر الماضي، وحتى مع انطلاق التحذيرات من خطورة هذا الفيروس في شهر يناير، لم يكن ليخطر على بال أحد حينها عدد الوفيات الذي سينتج عنه، وقد بلغ حتى الآن أكثر من 340 ألف وفاة، وهو الرقم المرشح للتزايد، وربما التضاعف، خلال الشهور والسنوات القادمة.
وربما كان ما يميز هذه الوفيات، هو أن السواد الأعظم منها يقع بين فئتين: أصحاب الأمراض المزمنة، مثل السكري، وارتفاع ضغط الدم، وأمراض القلب والشرايين، وأمراض الرئة المزمنة، بالإضافة إلى كبار السن، وبالتحديد الطاعنين في السن.
فعلى سبيل المثال، في بريطانيا تبلغ نسبة الوفيات بين المصابين من الأطفال 0.0016 في المئة، أي أن من بين كل 100 ألف إصابة وعدوى بين الأطفال، يلقى 1.6 منهم فقط حتفهم، علماً بأن حالات العدوى بين الأطفال منخفضة أساساً مقارنة ببقية فئات المجتمع. وفي الوقت نفسه، تبلغ معدلات الوفيات في بريطانيا، بين من تخطوا العقد الثامن حوالي 7.8 في المئة، أي أن من بين كل 100 ألف إصابة في هذه الفئة العمرية يلقى 7800 حتفهم، مقارنة بـ 1.6 فقط بين العدد نفسه من الأطفال. ويتكرر هذا السيناريو في الدول الأخرى، ففي أستراليا يتوفى أكثر من 58 في المئة من المصابين الذين تخطوا سن الثمانين، وفي الدنمارك تبلغ هذه النسبة أكثر من 75 في المئة، وفي النرويج 80 في المئة، وهلم جرا في العديد من الدول والمجتمعات الأخرى.
وهو ما قد يدفعنا لوصف «كورونا المستجد» بأنه مرض تتحمل المجتمعات التي تعاني أصلاً من ظاهرة التشيخ، العبء الأكبر من وفياته، بالإضافة إلى بقية الأفراد المصابين بأمراض مزمنة. والمعروف أن المجتمعات البشرية تتعرض منذ عقود لتغيرات ديموغرافية جوهرية، نتجت بشكل أساسي عن زيادة متوسط العمر (life expectancy) بمقدار عقدين كاملين خلال الخمسين عاماً الأخيرة. فالشخص الذي يولد حالياً، يتوقع له أن يبقى على قيد الحياة بأكثر من عشرين عاماً، مقارنة بمن كان يولد عام 1950 مثلاً.
وهو ما أدى بالضرورة إلى زيادة أعداد المسنين بشكل واضح بين أفراد الجنس البشري خلال هذه الفترة، والذي يتمثل في أن عدد الأفراد الذين تخطوا سن الستين قد بلغ أكثر من 650 مليون شخص في عام 2006، مع التوقع بأن يتضاعف هذا العدد إلى 1.2 مليار شخص بحلول عام 2025، وليصل إلى أكثر من ملياري شخص في عام 2050. وهذا يعني أن نسبة لا بأس بها من أفراد الجنس البشري تندرج حالياً ضمن فئة المسنين، وهي الفئة العمرية التي أصبحت حالياً فريسة سهلة لـ«كوفيد - 19».

*كاتب متخصص في الشؤون العلمية