حكومة رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي مرت من ثقب إبرة المحاصصة نتيجة عدة عوامل مكانية، إلا أن بصمة الثقل السياسي الأميركي لا تخفى على العيان، لذلك جاءت رسائل الكاظمي مباشرة: الأمن، محاربة جائحة كورونا المستجد، التصالح مع مطالب العراقيين المنتفضين، وإعادة التوازن لعلاقات العراق بمحيطه.
إعادة التوازن لعلاقات العراق بمحيطه هو ما كان يفسر «نسبياً» من قبل الحكومات العراقية السابقة ليس بسبب غياب الإرادة الوطنية العراقية، بل نتيجة للتوافق على تعطيلها من قبل الولايات المتحدة وإيران كلٍ حسب مصلحته وقدرة احتماله لسياسة الطرف الآخر، إلا أن قرار إدارة الرئيس ترامب تغير مسارها السياسي من إيران في العراق مرده وصول «حالة الاحتمال» إلى نقطة الانكسار.
وواشنطن تدرك الأهمية الاستراتيجية للعراق ضمن منظور الأمن القومي الإيراني، والاعتراف بحقوق إيران في العراق كان أحد أهم المحفزات في إقناع واشنطن بجدوى الانخراط الطوعي في التفاوض حول ملفها النووي.
برنامج إضعاف حكومة الكاظمي من قبل كتلة الضغط الإيرانية في الداخل العراقي بدأت حتى قبل انتهائه من تشكيل حكومته، ويعد إغراق سجل التوظيف الحكومي بالآلاف من العراقيين من قبل حكومة عبدالمهدي التحدي الأكبر أمام هذه الحكومة في حال قرر الكاظمي التعاطي معها كأولوية وطنية.
العراق ليس دولة منهارةٍ كلياً، وتملك أن تقدم الكثير لأهلها رغم التحديات القائمة، ومن الواجب الوقوف معه ليس انطلاقاً من مقتضيات المرحلية السياسية بل انطلاقاً من ضرورات الأمن القومي الاستراتيجي. ويجب الأخذ بالاعتبار أن الإسهام في إعادة العراق وطناً منيعاً بأهله غير منقسم على هويته الوطنية سيمثل أهم الاستثمارات في مستقبل المنطقة حتى وإنْ طرأ تغير في الموقف السياسي لطرف بحجم الولايات المتحدة مستقبلاً.
ابتعاث الكاظمي لوزير ماليته للرياض يجب أن يقرأ إيجابياً من المنظور السياسي البحت، فقد يمثل تأسيس صندوق خليجي لإعادة إعمار وتأهيل البنى التحتية فرصة نادرة للقطاع الخاص الخليجي والعراقي. ويعتبر إعلانه من الرياض عن التوصل مع المملكة العربية السعودية على الربط الكهربائي ونحن على عتبات فصل الصيف تحولاً نوعياً في رفع مستوى الخدمات التي تمس المواطن العراقي بشكل مباشر. وكذلك يعتبر التفاهم بين البلدين على تطوير البنى التحتية في مجالات توليد وانتاج الطاقة بالوسائط التقليدية والمتجددة رافداً حيوياً في تطوير العلاقات الاستراتيجية بين البلدين. أما في الجانب الأمني، فإن عودة اللواء عبدالوهاب الساعدي على رأس جهاز محاربة الإرهاب، يعتبر ضمانة لتفعيل الإرادة الوطنية بعد عودة التلويح بتوظيف ورقة «داعش» في العراق بما يتناسب ومصالح أكثر لاعب إقليمي ودولي، إلا أن إيران وتركيا تتقاسمان الأدوار الرئيسة.
مهما بلغت تحديات احتواء نتائج كورونا المستجد المستقبلية، إلا أنها يجب ألا تشغلنا عن العراق الآن ومستقبلاً، وإن احتساب كلفة التفريط في ذلك على دول المنطقة في حال عدم اغتنام فرصة إنهاضه من جديد. وإن أمر تحقيق إعادة التوازن النسبي المفقود من معادلة إعادة الاستقرار لعموم المنطقة لن يتأتى من دون ذلك، وكذلك هو الحال من تحجيم ما تمثله إيران في عمقها العراقي. وآمال العراقيين منذ انطلاق انتفاضتهم المطالبة بالإصلاح السياسي والمالي يجب أن تبقى المعيار الأوحد في قياس نجاح برامج أي حكومة عراقية وتحديد مستويات الإسناد والدعم المطلوبين من عمقها الخليجي.
*كاتب بحريني