انقضى شهر رمضان وحل عيد الفطر هذا العام، والعالم بأكمله يشهد تداعيات غير مألوفة على المستوى الاجتماعي، الذي طاله التباعد الاضطراري، نتيجة الإجراءات الوقائية المعمول بها لتجنب الإصابة بفيروس كورونا. لكن التباعد لم يقتصر على المجتمعات والأفراد فقط، بل امتد إلى المستوى الدولي. إذ أدى ضغط تفشي كورونا إلى تزايد الجدل بين الإدارة الأميركية والصين، وخاصة في ظل تصاعد أعداد الإصابات والوفيات الناجمة عن انتشار الفيروس على نطاق واسع في الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا.
ولا يمكن استبعاد تأثير استعدادات ترامب لخوض الانتخابات القادمة، التي يبدو أن ضغوطها تدفعه إلى إيجاد وسيلة للتنفيس عن القلق، فلم يجد أمامه سوى استفزاز الصين واتهام منظمة الصحة العالمية بالتبعية لها. فيما تشير آخر الأنباء إلى استخدام أميركا ورقة تسليح تايوان بطوربيدات متقدمة، للمزيد من الضغط على الصين.
لقد دخل البشر في عزلة فرضتها أزمة كورونا، التي أفرزت نتائج اقتصادية سلبية على الاقتصاد العالمي. الأمر الذي أدى إلى تصاعد الدعوات من قبل العديد من المحللين، الذين طالبوا بالعودة إلى الإنتاج واستعادة الحياة الطبيعية، مع الالتزام بالإجراءات الوقائية المعتمَدة.
وفي هذا السياق أيضاً، من الواضح أن التباعد عزز من آليات التواصل الاجتماعي الافتراضي، ورفع من رصيد مختلف التطبيقات الذكية على الإنترنت، والتي كان استخدامها في الأعياد والمناسبات الدينية خلال السنوات الماضية يواجَه بالنقد، في حين أصبحت في مثل هذه الظروف، الوسيلة الأكثر أماناً لتبادل التهاني والاطمئنان على الأقارب وعقد الاجتماعات والندوات عن بُعد، دون الخوف من انتقال عدوى الإصابة بفيروس كورونا.
ويبدو أن التداعيات الناجمة عن هذا الوباء تفرض نفسها بقوة على المستوى الدولي، من حيث دخول البشر في إجازة إجبارية عطّلت الكثير من الأنشطة التي يمتزج فيها الطابع الثقافي والترفيهي بالاقتصادي، وأبرزها إعاقة هواة السفر والسياحة والرحلات عن التنقل، رغم وجود مؤشرات متزايدة لبدء كسر الحظر وعودة شركات الطيران إلى العمل بالتدريج، لكن وفق شروط وقائية صارمة.
وعلى مستوى الأبحاث الطبية، لا يزال العالم يترقب التوصل إلى لقاح يوقف زحف كورونا ويقضي عليه، أو على الأقل يتحول معه الفيروس إلى مرض قابل للعلاج، من دون الحاجة إلى الإضرار بزخم حركة التنقل والعمل والتجارة والسياحة والتواجد في الأماكن العامة.
ويبدو أن العالم نجح حتى الآن، جزئياً، في التعايش مع أزمة كورونا، التي ألقت بظلالها الكثيفة على العلاقات الدولية والآليات الاقتصادية. لكن استمرار التعايش مرهون بفترة زمنية يتمنى الجميع ألا تطول، لأنها إن طالت أكثر، فسوف تكون لها فاتورة مرتفعة تقاس بتداعيات نفسية واجتماعية واقتصادية وليست مالية فقط، الأمر الذي يجعل من تفشي فيروس كورونا أزمة عالمية قاسية، يتطلب الخلاص منها تسريع التوصل إلى العلاج الناجع لوقف الأضرار النفسية التي يسببها الجمود في الحياة العامة.
قد يرى علماء النفس والاجتماع أن البشر يمتازون بسرعة التكيف مع واقعهم بكل ما يفرزه من التزامات وتغيرات تطال حياتهم اليومية، سواء بفعل ظروف الطبيعة وكوارثها، أو الحروب، أو الأزمات الناتجة عن انتشار الأمراض والأوبئة. لكن التكيف الإنساني يستمد طاقته دائماً من الأمل بانتهاء الأزمات والظروف الاستثنائية، وهذا ما يحفّز البشرية، في الوقت الراهن، على التعاطي مع أزمة تفشي كورونا من زاوية الانحناء للعاصفة، إلى أن يتم التوصل إلى اللقاح واعتماده من قبل الجهات الدولية المعنية. وبعد ذلك يمكن النظر بشأن ما الذي ستفرضه أزمة كورونا من تحولات اقتصادية وآليات جديدة على مستوى النظام الدولي. فمن سيمنح العالم هذا الأمل؟ وكل عام وأنتم بخير.

*كاتب إماراتي