منذ اشتعال أزمة «كورونا»، والتسريبات تتوالى على مسمع من العالم، بأن القادم في 2021، هو مواجهة بين أميركا والصين لتسوية حق النفوذ على العالم أجمع، إما أميركا أو الطوفان!
إلى ما قبل «كورونا»، كان الخطاب بين أميركا والصين من منطلق الحرب الاقتصادية أو التجارية، وكانت مبرراتها واضحة من حيث تبوء الصين المرتبة الثانية، بعد القوة العظمى في العالم وإزاحة اليابان عن الطريق، ولكن دون أن تشن الأخيرة حرباً تجارية مضادة لاسترجاع مركزها السابق.
عند هذه النقطة الأمر مقبول، فالصين لا تبحث عن نفوذ سياسي، أو حتى المشاركة في العمليات الحربية التي تخوضها أميركا من عقود، وندرك جيداً بأن أميركا من الدول التي تعتمد في تحركاتها مع الدول الأخرى من حولها على مراكز الأبحاث، التي تقوم بدراسة العالم وفق سيناريوهات عديدة، تستخدمها في مواقع نفوذها لجلب مصالحها والصين واحدة منها، ولم ينشر منذ عقود سيناريو واحد فيه ذكر للحرب مع الصين.
المرة الوحيدة التي كادت أميركا أن تدخل حرب مواجهة مع الصين في عهد ريجان، ولم يوافق كيسنجر الذي كان وزيراً للخارجية آنذاك، وكتب مقالاً مطولاً يشرح وجهة نظره في عدم جدوى الإنجرار إلى هذا المستنقع الآسن.
وبعد قرابة أربعة عقد، وفي عهد أوباما يعيد كيسنجر مقالاً مطولاً ينصح فيه الإدارة الأميركية بالاستفادة من الصين نهر الاقتصاد، وعدم الغرق في بحر الدماء، ولم يقل غير ذلك لترامب أيضاً.
منذ ريجان إلى ترامب، أميركا والصين تسبحان في نهر الاقتصاد، حتى وإنْ شعرت واحدة منهما أحياناً بالغرق، فالنتيجة أهون من الغرق في بحر الدماء.
بيل كلينتون استخدم معادلة الـ«ببسي كولا» و«ماكدونالد» للاستفادة من العدد الملياري في الاقتصاد والتجارة، ومعادلة هيلاري كانت في صعود الصين صعود لأميركا، لأن العاطس في بكين يُشَمِّته الأميركي في بكين.
وعندما وصلت اللقمة الصينية إلى فم ترامب، كاد أن يقلبها إلى لطمة على خد الصين بالتشدد في فرض قوانين الحماية الجمركية، والمبالغة في زيادة رفع الرسوم من أجل النوايا الانتخابية، ودفعاً لشعار أميركا أولاً أمام العربة الصينية المندفعة حول العالم، وليس أميركا وحدها.
وعندما وصلت أزمة «كورونا» في أميركا إلى ذروتها وفي الصين إلى النهاية، تذكر ترامب بأن لدى أميركا في الصين أكثر من 8000 شركة تعمل هناك، وقد آن أوان عودتها إلى الوطن الأم، وكأنها كانت في نزهة هناك! فالحرب لا تشن بين البلدين، لأن نسبة النمو في الصين يقترب من 6%، ونسبة النمو في أميركا 2%، وقد تصل إلى 0% في وقت قصير.
خلال الأربعة العقود الماضية، تقدمت الصين مرات عديدة ليست على صعيد إنتاج الأسلحة الثقيلة، بل الاقتصاد الذي أنعش قرابة نصف مليار إنسان كانت الصين سبباً مباشراً في إتاحة فرص العمل لهم من خارج حدودها، ترامب وفق تغريداته يفاخر بأنه وفّر للأميركيين مليون فرصة عمل، ويريد الآن لي ذراع الصين النفطية، لأن أرضها لا تُنبت نفطاً كما هو الأمر بـ «مزارع» النفط في أميركا من غير الأحفوري، الذي اتخذه ترامب سلاحاً لمحاربة «أوبك+».
من هذا الباب، يشيع البعض بأن أميركا سوف تضيق أنفاس الصين النفطية باستخدام نفوذها لدى الدول المنتجة والمصدرة للصين، فإذا عصت تلك الدول، فهل يعتبر ذلك سبباً قوياً لشن حرب غير تجارية على الصين، التي لا تتعامل مع النفط الأميركي، المهدد لمصالح الدول التي تعتمد عليها الصين في وارداتها النفطية، التي ستبلغ قرابة 50 مليون برميل في العام 2030، الذي قد يصبح عام الصين العظيم أمام أميركا العظمى دون الغرق في بحر الدماء.