لم يفهم المسلمون الأوائل منطق النهج النبوي في منع الشخص المقيم في أرض الوباء أن يخرج منها حتى وإنْ كان غير مصاب، وكيف للشخص السليم الذي يعيش في منطقة أو مدينة الوباء أن لا يهرب بجلده إلى مدينة أخرى سليمة حتى لا يصاب بالعدوى، حيث أثبت الطب الحديث أن الشخص السليم في منطقة الوباء قد يكون حاملاً للفيروس، وكثيراً من الأوبئة تصيب العديد من الناس، ولكن ليس كل من دخل جسمه الفيروس يصبح مريضاً، فكم من شخص يحمل المرض دون أن يبدو عليه أياً من أعراضه، وهو في فترة الحضانة ينقله لغيره.
فما أحوجنا في هذه الظروف العصيبة إلى الاسترشاد بمنهجية الوقاية النبوية في التعامل مع الوباء، ومن ذلك ما روى الإمام مالك في موطئه عن أبي عطية الأشجعي، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا عدوى، ولا هام، ولا صفر، ولا يحل الممرض على المصح، وليحلل المصح حيث شاء»، مما يوضّح أهمية التباعد الجسدي بين أفراد المجتمع وعدم الاختلاط، والتقليل من الحركة إلّا للضرورة القصوى، وأن لا يجاوروا المرضى الذين قد مرضوا، وركزّ رسولنا الكريم على البعد النفسي للوقاية بالطاقة الإيجابية الكامنة في الدعاء والاستغفار، واللجوء إلى الله والتفاؤل بالخير، وأن يلزم الإنسان داره.
وفيما يخصّ العزل، كان الأمر بعزل المريض المعدي عن غيره من الأصحّاء، إذ يقول رسول الله- صلى الله عليه وسلم: «لا يورد ممرض على مصحّ»، وكلمة الممرض هنا معناها المريض الذي قد يمرض غيره أي ينقل العدوى إليه، وهو تعبير آية في البلاغة، حيث أمر الإسلام الأصحّاء بعدم مخالطة المريض والمخالط له إلى أن تزول فترة العدوى، ويصبح غير ناقل للمرض، وفي هذا يقول الرسول الكريم- صلى الله عليه وسلم-: «إن من القرف التلف»، والقرف هو مقارفة المريض، أي ملامسته، والتلف هو الهلاك أو العدوى، وقد سنّ الرسول الكريم- صلى الله عليه وسلم- مبدأ الحجر الصحي، أي عزل المريض كالمجذوم، وفي هذا يقول- صلى الله عليه وسلم: «اجعل بينك وبين المجذوم قدر رمح أو رمحين»، وهو مقدار متر ونصف متر إلى مترين، وهذا ما توصي به منظمة الصحة العالمية في وقتنا الحاضر.
وكان رسول الله- صلى الله عليه وسلم- إذا عطس غطى وجهه بكفيه أو طرف ثوبه، وهي الإرشادات الحالية للخبراء، كما أمرنا الرسول الكريم بغسل اليدين الدائم، واغسلوا الأيدي قبل الطعام وبعده، وبعد قضاء الحاجة، وبعد ملامسة من تخشى العدوى بملامسته، وكلما أصاب اليدين أذى من عرق أو قذارة. وعن الشريد بن سويد الثقفي - رضي الله عنه- قال: كان في وفد ثقيف رجل مجذوم فأرسل إليه النبي - صلى الله عليه وسلم-: «إنا قد بايعناك فارجع» (أخرجه مسلم)، فلم يبايعه - صلى الله عليه وسلم- مصافَحةً ولا مواجهةً لأن مخالطة المجذوم من أسباب العدوى، ولذلك إذا منعت صلاة الجماعة فهي سنّة نبوية في حالة الأمراض الشبيهة بالطاعون وكوفيد-19 كذلك، ولا ينتقد منع صلاة الجماعة في المساجد، خلال هذه الجائحة، غير شخص جاهل بدينه، واليوم تثبت التعاليم النبوية بما لا يدع مجالاً للشك أنها لكل زمان ومكان، حيث إن إفشاء السلام في الإسلام بعيداً عن المعانَقة والتقبيل ما هو إلّا حمايةً للإنسان من انتقال الأمراض.
*كاتب وباحث إماراتي في شؤون التعايش السلمي وحوار الثقافات.