لنتناول ثلاث أولويات عربية على هامش ابتلائنا الكوني بداء كورونا المستجد (كوفيد-19)، هي: أولاً: تحديات تجاوز الآثار الاقتصادية والاجتماعية الناجمة عن الجائحة. ثانياً: مدى امتلاك دولنا لرؤى استراتيجية في إدارة الموارد، بما يتناسب والواقع الدولي بعد تجاوز الجائحة. ثالثاً: مدى جرأتنا لنناقش انفلات النمو السكاني في بعض دولنا، بما لا يتناسب ومواردها أو إمكانياتها لاستيعاب ذلك.
وللأسف، فبدلاً من التركيز على ما تقدم، نجدنا منغمسين في تفسير دلالات بعض المسلسلات الرمضانية، فهل هي جزء من تطبيعٍ مرتقب، أم أنها تحضيرٌ لإصدار شهادة وفاة القضية الفلسطينية وجدانياً؟ وكلما كُتب علينا المرور بهذه المحطة السمجة بكل تفاصيلها الاجتماعية والسياسية، عدت بالذاكرة إلى فلم لورنس العرب، وتحديداً إلى جزء من مشهد حواري بين الملازم لورنس وشيخ قبيلة الحويطات عودة أبو تايه، حيث قال لورنس: «هذه ثورة العرب أو باسم العرب»، فكان رد الشيخ عودة عليه:«من هم هؤلاء العرب، هل هم قبيلة جديدة، فأنا أعرف كل القبائل ولم أسمع بهؤلاء من قبل».
يبدو أن الارتحال وجدانياً بين مُعرّف الأمة والقومية العربية هو مشوار يأبى أن يغادرنا أو نغادره، رغم كل ما مررنا به من تجارب منذ الاحتلال العثماني للعالم العربي باسم الخلافة الإسلامية إلى يومنا هذا. أما الأمر الآخر، فكيف لمسلسل رمضاني أن يلغي واقع معاناة إنسانية لشعب اعترفت بحقوقه كل دول العالم؟ فعندما يصل الأمر لمثل هذا الازدراء للوعي، فنحن إذن بالتأكيد شعوب لا تستحق حتى الشفقة. والأمر الأكثر إيلاماً هو أن تأتي هذه الملامة من أصحاب انتماءات مؤدلجة لم يقبلوا المساءلة في التفريط بأوطانهم خدمةً لادعاءات بعث الأمة الإسلامية بشقيها السني والشيعي، وآخرين ارتأوا أن الاستغفار جائز بعد رجم أوطانهم بالخيانة!
قوافل الرجم المرتحلة بين سياسات دولنا الخليجية، والتي تستهدف هذه الدول وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، ستبقى مرتحلة ما دام المال السياسي متوفراً، وكذلك توفر التجهيل بقيمة الوعي، وهو المقياس بين النضج والجهل. والصادم أن يصرّح بعض مريدي تلك التيارات المُتأسلمة البائسة أن كل خراج أرض السعودية هو مُلكٌ لكل المسلمين، ولا جواز في منعه عنهم.
دول الخليج لم ولن تبخل على أشقّائها - حتى من تنكّر منهم لها في المحن، ولم تطالبهم حتى بالاعتذار. أما مسألة بقاء دولنا كهيئة ضمان اجتماعي لفشل البعض في وضع برامج للتنمية الاستراتيجية تتماشى مع قدراتها ومواردها التنموية، فهم اليوم المسؤولون لا نحن. فتحديات ما بعد هذه الجائحة ستغير الكثير من الموازين، وقد يطال ذلك حتى الجغرافيا السياسية في أكثر من مكان. نحن لا ندعو لنوع من أنواع الحمائية أو الانغلاق، ولكن هي الواقعية ليس إلا.
لكم أن تتفضلوا وتنتقدوا وتشتموا مسلسل (أم هارون) أو (مخرج سبعة) ما شئتم، حتى تجف حناجركم وأقلامكم، إلا أننا أصحاب قرارنا فيما ترتأيه دولنا خدمةً لمصالحنا الوطنية أولاً. وبدل إضاعة وقتكم وأموال مموّليكم في أمور لا نفع منها، فلتتعلموا صنعة بدل إنجاب ضحايا تُضاف لبؤسكم. كل من رفع شعار إحياء الأمة فشل وطنياً، ولا داعي لتعداد التجارب، أما فيما يخصّ نماذجهم الديمقراطية، فالمعتقلات لديهم تغصّ بعشرات الآلاف من الصحفيين والأطباء والجنود. كل عام وأنتم بخير، على أمل لقائكم في رمضان 1442-2021 مع وصلة جديدة من الرجم بالتطبيع.

*كاتب بحريني