تركيا، وبتنسيق مع حكومة السراج، تريد لغزوتها في ليبيا النجاح، لتكون بعد قليل أمراً واقعاً، تنشغل به الأسرة الدولية في أخذ ورد؛ بين رافض ومستنكر من دون إجراء فاعل على الأرض، وبين طالبٍ للهدنة من أجل التفاوض. وثالث دولي (أخرس) يقف بينهما حريصاً على مصالحه الاقتصادية ألاّ تتضرّر، في بلد ثروته النفطيّة هي الأجود. هذا السيناريو الذي تطمح إليه تركيا أن يكون حقيقة على الأرض، قد تكرّر في التاريخ السياسي من قبل، في أكثر من بلد في العالم، وكانت نتيجته دائماً ما تنتهي إلى احتلال، مستنداً إلى حجة (الأمر الواقع). الذريعة ذاتها التي كان استند إليها العثمانيون عام 1939م في سلخ المحافظة 15 من سوريا (لواء إسكندرون) المدينة والميناء الأهم على البحر المتوسط، ليذهب إلى (الملكية) العثمانية. إسكندرون التي شبهها لجمالها المؤرخ (ستيفن لونغريج) بمنطقة (الإلزاس) الفرنسية. في عشية الاحتلال الطوراني لهذا الجزء من الأرض العربية، كان الوضع في سوريا، بدءاً من عام 1938م، أشبه ما يكون بوضع ليبيا اليوم؛ دولة خارجة من فوضى ضاربة، وفي حالة تشكّل. كانت سوريا تلملم أجزاءها المبعثرة، وتبني مؤسساتها الداخلية، وتتفقد مواردها الطبيعية لإعادة النهوض. لكنها تفاجأ بقوات عسكرية عثمانيّة تدخل لواء إسكندرون وتحتله. تماماً كما هو اليوم حال مرتزقة أردوغان، يصلون إلى ليبيا تباعاً لمحاولة احتلالها، لتعيد إلى الأذهان ذكرى احتلالاتها على مدى العقود، لكن هذه المرة في الضفة الأخرى من المتوسط. اليوم، عندما ترفع الإمارات صوتها الفاعل بالرفض للتدخل التركي وممارساته في ليبيا، عبر مرتزقة إرهابيين وخارجين على القانون الدولي، فإنها تريد تذكير الغافلين عما يمكن لخديعة (الأمر الواقع) التاريخية متى اكتمل بناؤها، أن تفعله في الجغرافيا العربية الليبية، تلك الذريعة التي دائماً ما يلجأ إليها قراصنة البحر الغزاة عندما يجدون لهم موطئ قدم على الأرض، فيسلخون منها ما تصل إليه أيديهم الملوثة، ثم يبدأون تزوير التاريخ والهوية، شرعنةً للاحتلال. إن صرخة الإمارات في وجه النظام الأردوغاني ومرتزقته في ليبيا، حملت رسائل عدّة مهمة للعالم بكافة منظماته الفاعلة، بدءاً من الجامعة العربية، والاتحاد الأفريقي، والأسرة الدولية الممثلة بمنظمة الأمم المتحدة، ولكل الشرفاء الأحرار. قائلة لهم (إننا نرى جللاً قادماً وشراً مستطيراً، يقتضي صده والوقوف في وجهه، تجنباً لوقوع الكارثة). نعم؛ فما يجري من تآمر خلف الأستار الطورانية في تفاقم، مستهدفاً الشعب الليبي، كرامةً وأرضاً ومقدرات.