ضربة موجعة لـ«حزب الله» اللبناني، تلك التي وجّهتها له ألمانيا بحظر أنشطته واعتباره تنظيماً إرهابياً، إذ كان يتمتّع بقبول من السلطات، عزّزته علاقة جيّدة بين برلين وطهران. كما أن الروابط بين الطرفين توثّقت منذ توسّطت ألمانيا عام 2006 في عملية تبادل أسرى بين «الحزب» وإسرائيل، واستمرّ تبادلهما الخدمات والمعلومات عبر السفارة الألمانية في بيروت، وقد مهّدت هذه التجربة لوساطة مماثلة بين حركة «حماس» وإسرائيل، وفي السياق الإيراني نفسه، تعاطت ألمانيا مع الأزمة السورية بمقاربة مختلفة عن سائر الدول الغربية، فبقي ديبلوماسيّوها واستخباريّوها ناشطين في دمشق، ويبدو أن برلين كانت تعدّ نفسها لدور «بزنسي» وسياسي ناشط في سوريا ما بعد الأزمة، لكن الأحوال تقلّبت في العامين الأخيرين، وأدّت إلى تغيير نهجها حيال دمشق وطهران معاً، حتى إن محاكمةً أولى من نوعها جرت في ألمانيا لعسكريَين سوريَين متهمَين بجرائم تعذيب لمعارضين سوريين.
واستُقبل قرار برلين بإجماع إعلامي، على أنه ثمرة ضغوط أميركية، ورغم أن هذه الضغوط صحيحة، وأكّدها أصحابها مراراً، فإن حزب «البديل» المعارض هو الذي حرّك القضية منذ الخريف الماضي، واتّبعت الحكومة مساراً برلمانياً وقضائياً للوصول إلى قرارها النهائي، وكانت ألمانيا قد صوّتت عام 2013 على قرار للاتحاد الأوروبي، وضع الجناح العسكري لـ«حزب الله» على القائمة السوداء، مستنداً إلى اتهام «الحزب» باعتداء حصل في بلغاريا وسقط فيه ضحايا، وإلى قتاله في سوريا إلى جانب القوات السورية، لم تتأثّر أنشطة «الحزب» في ألمانيا باعتبار أنها «غير عسكرية»، أما الأجهزة الأمنية الأوروبية كافةً فراحت تتعامل مع «الحزب» على أنه في دائرة الاشتباه كأي مجموعة إرهابية، وفي غضون ذلك، كان نائب الأمين العام لـ«الحزب»، نعيم قاسم، قد سخر في خطاب علني من التمييز بين جناحين، سياسي وعسكري، مؤكّداً أن لا فارق بينهما.
وقبيل ساعات من إعلان تصنيف «حزب الله» تنظيماً إرهابياً، دهمت الشرطة ثلاثة مساجد ومقار جمعيات ومكاتب شركات ومساكن أشخاص على علاقة بـ«الحزب»، وكان الادعاء العام جمع معلومات عن جمع أموال وتجنيد أنصار وغسيل أموال وتهريب مخدرات من أميركا الجنوبية إلى أفريقيا ثم إلى موانئ ألمانية عدّة، ويُتوقّع أن يُكشف لاحقاً عن مجمل الأنشطة التي استهدفت خصوصاً تمويل «الحزب»، الذي تقلّصت موارده بفعل العقوبات الأميركية على إيران، وكذلك العقوبات الموجّهة ضدّه مباشرة، وبقدر ما كان هذا التمويل استغلالاً لوجود أذرع لـ«الحزب» في ألمانيا، بقدار ما عزّز ذرائع واشنطن بأن هذه الأنشطة تقوّض مكافحة الإرهاب.
وكما في بريطانيا، كذلك في ألمانيا، تراكمت شكاوى متعددة المصدر من أن «الحزب» يكثر من رفع أعلامه، وإبراز رموزه ورموز إيرانية خلال فعاليات دينية وتظاهرات سياسية معادية للسامية، وفيما أصبح محظوراً تماماً في هذين البلدين، تتركّز الأنظار على فرنسا، التي فضّلت حتى الآن عدم اتخاذ موقف حاسم، رغم أن «الحزب» يعمل فيها عبر خلايا سرّية، وتتمسّك باريس بدورها التاريخي، وبشيء من المرونة في سياستها، لتتمكّن من مساعدة لبنان في أزمته الراهنة، وإذا كان الإصلاح شرطاً لأي مساعدة، فإن أي إصلاح حقيقي لا بدّ أن ينتقص من هيمنة «الحزب» على الحكومة اللبنانية وقرارها، لذا فهو سيمنعه أو يعرقله.