«صحّ النوم» لوزارة الداخلية الألمانية وقد صنّفت أخيراً ومتأخرةً جداً «حزب الله» اللبناني كمنظمة إرهابية وحظرت أنشطته على التراب الألماني، بعد أن بقيت ألمانيا لسنوات طويلة تفرّق بين أعضاء الحزب الذين يرتدون البذلات ويحملون الهواتف المتحركة ويوزعون الابتسامات أمام الكاميرات، والأعضاء الذين يرتدون الزي العسكري ويحملون الأسلحة النارية ويزرعون الرعب والقنابل أينما قرر إخوانهم من ذوي الابتسامات.
ولم تكن هذه التفرقة الغريبة بين ما هو سياسي واجتماعي ومالي وإرهابي شأناً انفردت به الدولة الألمانية، بل هو الموقف الرسمي للاتحاد الأوروبي الذي يميز بين الجناح السياسي والجناح العسكري لـ«حزب الله»، حيث صنّف الأوروبيون الجناح العسكري للحزب فحسب كمنظمة إرهابية منذ عام 2013، ‬ما ‬جعل ‬أنشطة ‬الجناح ‬الأول ‬شرعية ‬حتى ‬في ‬الداخل ‬الأوروبي، ‬من ‬جمع ‬التبرعات ‬واستقطاب ‬الأتباع ‬وغسيل ‬الأدمغة.. ‬والمحظور ‬فقط ‬على «‬حزب ‬الله» ‬تنقل ‬أفراده ‬وهم ‬يحملون ‬الصواريخ ‬على ‬أكتافهم ‬بين ‬بروكسل ‬وبرلين، ‬أو ‬زرع ‬الألغام ‬في ‬حقول ‬العنب ‬في ‬ضواحي ‬باريس، ‬أو ‬اغتيال ‬معارض ‬للحزب ‬في ‬شقته ‬في ‬ستوكهولم (!)‬.
ومن أعجب الأعاجيب التفرقة بين الأجنحة المختلفة للمنظمة الإرهابية الواحدة، ذات الرأس الواحد والتمويل الواحد والرسالة الواحدة، خصوصاً إذا كانت شبكة لديها أفرع وأيدي وأنشطة عابرة للدول وللقارات، فـ«حزب الله» السياسي من دون «حزب الله» العسكري لا يعدو كونه تجمعاً لثرثارين يؤمنون ببعض الخرافات ويدينون بالولاء لنظام الولي الفقيه وينتظرون «التومان» آخر الشهر، ويمكن بالحجة والبرهان محاججتهم وصرف الناس عنهم، و«حزب الله» العسكري من دون «حزب الله» السياسي سينفرط عقده فوراً ولن يستمر يوماً واحداً وسيعود كل إرهابي إلى بيته يأكل البرتقال مع أولاده.
إن التحرك الألماني المتأخر لم يكن نتيجة مراجعة لخطأ هذه التفرقة الغربية الغريبة، وإنما جاء على خلفية اكتشاف الأجهزة الألمانية استخدام «حزب الله» للأراضي الألمانية كمخزن لمواد تستخدم في تصنيع المتفجرات، فضلاً عن استغلال الأسواق الألمانية لممارسة غسيل الأموال لصالح الحزب، وتجنيد الأتباع من الألمان وغير الألمان عبر المساجد والجمعيات الدينية والثقافية، ليكونوا خلايا جاهزة للاستخدام متى ما قرر الممول الإيراني، ناهيكم عن اكتشاف وجود نحو ألف شخص مرتبطين بالحزب في ألمانيا.. مما اعتبره بيان وزارة الداخلية الألمانية انتهاكاً للقانون الجنائي.
وبعد هذا «الاكتشاف» الألماني، هل سيبقى الاتحاد الأوروبي واضعاً يده تحت خده على أمل وقوع خطأ من «حزب الله» يؤدي إلى انفضاح أمره السياسي والإرهابي معاً؟ أم سيقود هذا «الاكتشاف» الألماني الاتحاد الأوروبي إلى تغيير موقفه من كافة تنظيمات الإرهاب ذات الوجه الناعم المتبسّم المعلن، والوجه الخشن المتجهّم الملثّم، واعتبار المنظمة الإرهابية وحدة واحدة لا تقبل التجزئة؟ ليست كل التنظيمات الإرهابية «غبية»، مثل «القاعدة» وأخواتها، ذات واجهة واحدة وعنوان واحد وأسلوب واحد وخطاب واحد.. وفي المقابل، يفترض ألا تكون الدول متلكئة ومترددة في شأن المنظمات التي تمارس الإرهاب والاستهبال في آن معاً، فهذا التلكؤ بدوره نوع من الاستهبال.