ما يحدث جراء جائحة كوفيد-19 في العالم، من تغيرات مرئية وغير مرئية، ومباشرة وغير مباشرة، ومخطط لها وناشئة، هو حتماً يعدّ رسم خريطة جديدة للمجتمعات الإنسانية الحديثة، ولذلك تجد التصريحات التي تتناول وجود لقاحات وعلاج للجائحة، والتصريحات التي يطلقها رؤساء الدول والشركات الدوائية الدولية، ومراكز الأبحاث والمنظمات الدولية، تتضارب تماماً، ويتم إقحام العلم في وسط هذه الفوضى قسراً، مع أن الدراسات التي تعطي البشرية صورةً واضحةً عن مدى تأثير الفيروس على صحة الإنسان ونسبة الوفيات المحتملة، ومن الذين سيصابون به، بغض النظر عن الفئة العمرية والحالة الصحية، ليس له أي تفسير علمي مثبت بالدليل والتجربة بعد، وهي كلها مجرد تكهنات علمية، إن صح القول، وغير مثبتة، والعالم في مواجهة الجائحة في نزال أشبه بجولات الملاكمة، والفيروس هو المنتصر بالنقاط حتى هذه اللحظة.
ومن جهة أخرى، نشاهد يومياً التحركات السياسية والاقتصادية العديدة لإحداث تحولات دائمة في العالم، بالرغم مما يمر به العالم من أحداث استثنائية، وذلك على غرار إعلان الرئيسيّن الصيني والروسي الحرب لإنهاء هيمنة الدّولار على اقتصاديّات العالم، وإطلاق الصين لعملة إلكترونية رسمية، وقريباً قد ترى النور عملة إقليمية لتكتّل دول الجناح الصيني في مواجهة نفوذ الدولار الكبير وتغلغله في الحياة المالية والاقتصادية في العالم، ولكن إلى متى سيصمد؟ وهل جاء توقيت كوفيد-19 في الوقت المناسب لإحداث التوازن المرغوب به في العالم؟ ولا يعلم أحد كم هو عدد البشر المصابين بالفيروس، أو عدد الذين أصيبوا وتعافوا بالتحديد، بالإضافة إلى ما هو قادم من جوازات السفر المناعية التي ستسمح بالسفر فقط للشخص الذي لديه تلقيح عن جميع أنواع الأوبئة، وتوجد في جسمه أجسام مضادة لـ كوفيد-19، وستحدد اللقاحات كيف سنعيش، وستصبح عصب التجارة الدولية، ناهيك عن السيطرة على عقول وأجساد البشر، وتحديد من سيبقى ومن وجوده يعد كلفةً زائدةً لا تتحملها ميزانيات الدول.
ومن المستحيل معرفة ما سيحدث في السنوات المقبلة، ولكن حتماً سيكون لإبداع الذكاء الاصطناعي وثورة تقنية الجيل الخامس (G5)- الجيل القادم من تكنولوجيا الأجهزة الخلوية والهواتف الذكية تحديداً- دور جوهري في التحكم في سكان الكرة الأرضية، وحروب المستقبل وأمراض المستقبل، ومن يحصل على العلاج ومن يستثنى من الحسبة، وإنْ كنت أعتقد، شخصياً، أنها نقطة التحول التي نتوق إليها، للحدّ من سرعة الحياة وحدوث التباطؤ المنشود في المجتمع. وهل سنرى طبيعة جديدة للحياة بعد هذه الأزمة؟! وهل من الضروري أن يكون التعليم عن بُعد في كل الأحوال؟! وهل يستمر التباعد الاجتماعي بين البشر؟!
الأوبئة القادمة لتثبيت نمط الحياة الحالي لم تتوقف عند كوفيد-19، وسينشط اقتصاد جديد من سلاسل التوريد الطويلة المرنة والاستثمار في الطاقة الإحتياطية، ونوعية جديدة من الوظائف والتأهيل والمعدات للتعامل مع مثل هذه الأحداث، ومدن جديدة وتغير كبير في المجال الصحي، وانتعاش اقتصاديات كانت على وشك الانهيار، والتأثير الاجتماعي والثقافي التقني للعمل عن بُعد، والدراسة عن بُعد، والتسوق عن بُعد، وكيف يمكن للتكنولوجيا أن تحل كل شيء، وحتماً ستستخدم الشركات عدداً أقل من الموظفين، وسيكون مستوى البطالة التكنولوجية الأعلى في تاريخ البشرية، ولن تكون الأتمتة والذكاء الاصطناعي والروبوتات التي لا تمرض خياراً، بل ضرورة لاستمرارية الحياة.
*كاتب وباحث إماراتي في شؤون التعايش السلمي وحوار الثقافات.