اليمين واليسار مصطلحان كبيران للتعبير عن تيارات متعددة ومتباينة تصل حدّ التناقض، واليمين تياراتٌ واليسار كذلك، فلا تعني القسمة هنا إلا التعبير عن معانٍ متعددة ومساحات متحركة فيما بين هذين القطبين.
اليميني واليساري موجودان ومؤثران في الاقتصاد والسياسة، وفي الثقافة والفن، وفي الإعلام والدراما، إنهما مؤثران ضمن التيار، وفي المجال الذي يتخصص فيه أي منهما.
بشكل عامٍ، يمكن اتهام اليمين بالتطرف والعنصرية والنفعية، ولكن لا يمكن اتهامه بالنفاق، ويمكن اتهام اليسار بالعنف والتعصب والنفاق، ولكن لا يمكن اتهامه بالثبات على المبدأ والوفاء للفكرة، فاليمين تصح فيه أخطاء، واليسار مثله، ولكن تهمة النفاق ألصقُ باليسار، بسبب مركزية الإخلاص التامّ للفكرة بشكلٍ لا يمكن أن يتحمله البشر، ومن هنا سقط اليسار، ولم يخلص له إلا قلة من البشر بشروطٍ ومواصفات صارمة تخرجهم عن معنى الإنسانية، فاليمين واقعي عمليٌ قابل للتغيير، بينما اليسار مثالي حالم قابل للنفاق.
وفي النفاق، تحديداً، يلتقي اليسار مع جماعة «الإسلام السياسي» والإرهاب، فقد وجدت هذا الجماعات في طروحات اليسار وتنظيماته بنيةً جاهزةً لتتبناها، مع تغيير المحتوى الإيديولوجي الصارم، جرت على ذلك الجماعات الأصولية السنية والشيعية، على حدٍ سواء.
كانت مفارقةً مثيرةً أن يتمّ التنظير لليمين الديني فيما عرف نهاية السبعينيات الميلادية بالثورة الإسلامية الثيوقراطية من مفكري اليسار السياسي، وكانوا يسمون رجل الدين الثائر بـ«القديس الاشتراكي الديمقراطي»، وأصبح «معبود المفكرين اليساريين في الغرب»، وقد تطرق بعض الباحثين إلى رصد تأثر جماعات الإسلام السياسي، خطاباً ومفاهيم، وشمولاً وتنظيماتٍ.
الشعبوية عاملٌ مشتركٌ بين اليسار والأصولية، فكلاهما يستخدمها للوصول لشريحة أكبر من الناس والسيطرة على عقولهم واسترضائهم، إلى حين النجاح والوصول إلى السلطة، ثم يتم الشروع في القتل والمجازر للحفاظ على الفكرة وحماية المبدأ.
العديد من الشعوب التي نجح فيها اليسار، ونجحت فيها الأصولية الإسلاموية في الوصول إلى السلطة، جربت أبشع أنواع الدموية المتوحشة، وحصدوا ذلك ذلاً وفقراً، وعايشوا أعتى أنواع الديكتاتوريات، وبذلت بعض الشعوب الغالي والنفيس، حتى تخلصت منهم ومن طغيانهم.
فتش حولك عمن ينتمون لليسار أو للإسلام السياسي، ستجدهم يتسابقون على المناصب، ويسعون للمال بكل شكلٍ وكل طريقٍ، يتغنون بالبروليتاريا مساء، وفي لحظات الصفاء، ثم في الصباح يتملقون صاحب السلطة، ويستجدون صاحب المال، في مثالٍ صارخٍ على النفاق.
الحديث في هذا السياق ليس عن شخصٍ أو شخصين، بل عن ظاهرةٍ لا تكاد تخطئها العين، ولا أقصد هنا مفكري اليسار أو مثقفيه واسعي المعرفة والاطلاع، وإنما عن الأفراد الذين يجدون في هذا النفاق طريقاً سهلاً للمزايدة على الجميع والتزين أمام المستمعين من جهةٍ، وتحصيل المصالح وحصدها من جهةٍ أخرى.
مضحكةٌ، حدّ السخرية، تلك التبريرات التي يسوقها الأفراد المنتمون لليسار لتبرير نفاقهم واجتهادهم الدائم في تحصيل المكاسب الشخصية على حساب المبادئ، فمرةً يدعون أن ذلك لمجرد الضرورة، ومرةً يتحدثون عن خديعة السلطة لإسقاطها، وتبريرات متعددةٌ لا تثبت إلا رسوخ أفكارهم في النفاق، بعدما أصبحوا أيتام فكرةٍ جربها العالم، ثم لفظها، وعلم يقيناً أن كل صفائها التنظيري لم ينته إلا إلى خراب البلدان ودمار الدول وفناء الشعوب.
على مستوى الدول في المنطقة، يمكن النظر للسياسة التركية كمثالٍ صارخٍ على هذا السياق، دولة علمانية حديثة تسعى لاستعادة خلافة ماضوية، عضو في حلف الأطلسي يتفق مع روسيا ضد الغرب، وهكذا.
وأخيراً، فالمقصود بهذا السياق هو إدانة التيارات المؤدلجة، من يساريين وإسلامويين، في ارتكابهم لخطيئة النفاق والاسترزاق، وكم من رموز لهم في الخليج والعالم العربي لم تزل تمارس نفس النفاق، حتى بعد فضحه وانكشافه.
*كاتب سعودي