هل سبق لأحدكم أن شاهد مسلسلاً خليجياً، ثم أعاد مشاهدته مرة أخرى، باستثناء عدة مسلسلات قديمة تعد على أصابع اليد، كمسلسل «درب الزلق» مثلاً؟
في هذا الموسم الرمضاني لم يتغير الوضع كثيراً عن الأعوام السابقة في سباق المسلسلات الخليجية ذات المستوى المتدني، والتي تستند بشكل كبير إلى الصراخ، والضرب، والخيانات وتعدد العلاقات، والتفكك، والعقوق، واللغة الهابطة، والتصرفات الخادشة.. فالأعمال الرمضانية تكرار ممل لنفس النصوص الهزيلة التي أصبحت مصيدة، حتى لنجوم كبار صنعوا حقبةً جميلةً، ثم غرقوا في هذاالمستنقع الدرامي الهلامي، واجترار شخصيات فنية لا يتغير أداؤها ولا تتقولب حسب السيناريو، لتعطي بعض الإحساس والتقمص الحقيقي للشخصية، اللهم إلا زيادة سيلكون، أو نقص فيلر، أو عمليات تجميل تلغي أي ردة فعل على الملامح؛ فتجد الممثلة تصرخ، وتلطم، وتضحك بذات الملامح وبوجه جامد لا تتغير ملامحه!
من المؤسف أن نشاهد مواهب فنية واعدة تصعد من خلال أدوار لا ترتقي وإمكاناتها الفنية، بغية الشهرة أو المادة، لتتربع على عرش الإسفاف، رغم إمكانياتها، وهذا يعود إلى فقر النصوص، وتكرار الأفكار، والاستهلاك المقيت الذي يجعلك تغلق جهازك من أول حلقة، ناسفاً بضغطة ريموت إنتاجاً بملايين الدولارات، وعملاً مضنٍياً قد يستغرق سنة كاملة، وجهوداً ذهبت أدراج الرياح، كونها لم تستند إلى محتوى لائق ونص يتماهى مع هذا الصرف الجنوني على الإنتاج.. فماذا لو أصبحت العلاقة متجانسة بين الفكرة وضخامة الإنتاج؟ لا شك سنخرج بعمل يضاهي مسلسلات الثمانينيات، مثل «درب الزلق» و«الأقدار» وغيرهما. فلماذا كانت تلك الأعمال متاحة في ذلك الوقت واستعصى إنتاج في مستواها الآن؟ ولماذا نشاهد بعض حلقات هذا المسلسل العظيم (درب الزلق) ونوظفها كإسقاطات على أحداث آنية؟ أليس ذلك تأكيداً لمقولة «العمل الجيد لا يموت»؟
أتعْلم، عزيزي القارئ، ما هي الدراما الحقيقية في يومنا هذا؟ إنها الدراما التي نعيشها بوجود الفن الخليجي الهابط، مقابل ما تغص به رفوف المكتبات وما تستهلكه دور النشر من ورق لمسايرة زخم الأعمال الروائية التي أصابت معارض الكتاب في الخليج بتخمة من النصوص التافهة؟ قد تكون هذه هي المعضلة الحقيقية التي أفضت إلى هذا التدني الفني وحالة اليأس لدى المتلقي، مما جعله يتأسى على هذا الواقع، مقابل ما يراه من إبهار وتنافس محموم على «الكيف» وليس «الكم» في المسلسلات والأفلام التي تعرض على القنوات الأجنبية، أو على منصات العرض المدفوعة، أو المجانية، مثل «نت فليكس» وغيرها. فحين ندير أجهزتنا على هذه المواقع، سوف نشاهد ما يجذبنا لمتابعة أجمل وأعمق وأقوى المسلسلات، كالعمل الخرافي (the croun) حالياً، أو (breaking bad)، أو حتى الفانتازيا في (walking dead) وغيرها من الأعمال الجديدة أو الخالدة في ذاكرة الفن الأجنبي، بينما ننزلق نحن كل موسم في كم مهول من المسلسلات التي تبدو هزالتها من أول مشهد، وتنكشف مهنية الفن فيها، منذ الوهلة الأولى، بطبقات المكياج والصراخ، واستعراض مقتنيات الفنانات والفنانيين، وهذا بحد ذاته انزلاق يجعلنا نعيد ذات السؤال: لماذا لم نستطع، رغم الإمكانيات، أن نصنع عملاً يضاهي «درب الزلق»؟
ولماذا نجح «درب الزلق» وأخفق ما عداه؟ الجواب لأن النص في درب الزلق واقعي، والشخصيات جسدت أناساً حقيقيين كانوا موجودين في ذلك الزمن؛ فكم «أبوصالح» جسّده خالد النفيسي؟ وكم «قحطة» جسّده المفيدي؟ وكم «حسين طائش» جسّده عبدالحسين عبدالرضا رحمه الله؟ هذا فضلاً عن القفشات الكوميدية غير المبتذلة والتي نتداولها منذ عام 1977 وحتى يومنا هذا!

*كاتبة سعودية