مزق الفيروس التاجي سوق العمل الأميركي، حيث ارتفعت البطالة الجديدة خلال الشهر الماضي وحده، لتتجاوز 22 مليوناً في اقتصاد بلغ عدد العاملين به قبل شهر 160 مليون شخص. هذه التداعيات الاجتماعية، الناجمة عن التباعد الاجتماعي وأوامر البقاء في المنزل، هي جزء من الجهد المبذول لإبطاء انتشار الجائحة، لكنها تلحق الضرر ببعض فئات العمال أكثر من غيرهم، وتؤدي إلى حجم بطالة غير مسبوق.
وكان الإعلان قبل أسبوعين عن 6.6 مليون مطلب إعانة اجتماعية جديدة، هو الأعلى على الإطلاق، حيث زاد بعشر مرات عن أعلى مستوى سابق له في أسبوع واحد، والذي بلغ حوالي 700.000 وظيفة مفقودة خلال فترة الركود في عهد ريجان في أكتوبر 1982. وفي الأسبوع الماضي، قدم 5.2 مليون شخص إضافي مطالبات. وبعبارة أخرى، أدى الوباء إلى تشريد العمال بسرعة مذهلة. وفي الأسبوع الثالث من مارس، قفزت مطالبات البطالة بأكثر من 1000%، مقارنة بـ45% في مارس 1969. وكانت النتيجة هي صدور أول تقرير سلبي عن الوظائف خلال ما يقرب من عقد من الزمان، حيث تقلص صافي التوظيف بمقدار 700.000 وظيفة في مارس، وهو رقم لا يعكس، حتى الآن، العبء الأكبر من مطالبات البطالة. وكانت معظم الوظائف المفقودة في قطاع الخدمات.
حتى الآن، يعمل معظم العمال الأميركيين في قطاع الخدمات، والذي يشمل وظائف في مجالات البيع بالتجزئة وتكنولوجيا المعلومات والرعاية الصحية، وغيرها. وفي عام 1970، كان قطاع التصنيع يوظف حوالي ربع العمال الأميركيين. أما اليوم، فقد تراجعت هذه الحصة إلى نحو 10% فقط. ومنذ عام 2010، أضافت الولايات المتحدة ما يقرب من 19 مليون وظيفة في الخدمات. وأدت الوظائف في مجالات مثل الضيافة والنقل، إلى زيادة نصيب القطاع من القوى العاملة الأميركية، ليتجاوز 80% من الوظائف الأميركية. وقد أصابت الجائحة هذه الوظائف بشدة. ويشير أحدث البيانات إلى أن شركات قطاع الخدمات تخلصت من أكثر من 90% من تلك الوظائف البالغ عددها 22 مليون.
وبالطبع، فالأمر يتعلق بظروف استثنائية؛ فوجود أزمة صحة عامة يختلف عن الركود التقليدي. وقد اتخذت الحكومات في جميع أنحاء العالم خطوات كبيرة لاحتواء الوباء، بما في ذلك حظر السفر، وإغلاق المطاعم، وإصدار أوامر بالبقاء في المنزل. كل هذه الإجراءات تقيد النشاط الاقتصادي، لكنها تضرب قطاع الخدمات بشكل خاص. فهي لا تعني فقط عدم استخدام الطائرات ومحطات الوقود وغرف الفنادق الشاغرة والمطاعم المغلقة.. فقد توقف الأميركيون، أيضاً، عن استخدام العديد من الخدمات المهنية، مثل العقارات والخدمات القانونية والمالية.
ولعل أفضل مثال يوضح عدد الأميركيين الذين يعملون الآن في قطاع الخدمات، أو بالأحرى الذين فقدوا عملهم، هو حقيقة أنه في شهر مارس المنصرم، ارتفعت البطالة في كل فئة ديموغرافية رئيسية، بما في ذلك العرق والجنس والعمر. فما السياسات التي يمكن أن تساعد على تخطي هذه الأزمة؟
إن استعادة هذه الوظائف - ومساعدة الذين فقدوها- ستكون مهمة صعبة للغاية. وذلك أولاً؛ لأن العديد من العاملين في قطاع الخدمات كانوا يعملون في وظائف تحصل على الحد الأدنى من الأجور، أو في مواقع تعتمد بشكل كبير على الإكرامية. وهؤلاء أصبحوا الآن في ضائقة. وثانياً؛ لأنه لا توجد ضمانات بأن وظائفهم ستعود، إذ قد لا تتمكن الشركات الصغيرة، التي أغلقت بأوامر من حكومات الولايات، من تعويض إيراداتها المفقودة، وإعادة فتح أبوابها. وربما تسرّع هذه الأزمة نمو «اقتصاد العمل الحر»، حيث تدفع الشركات للأشخاص الذين تحتاج إليهم فقط، لفترات محدودة، وعدم تقديم رواتب منتظمة.
وفي ظل هذه الآفاق الرهيبة أمام الكثير من الناس، يناقش المراقبون مجموعة من السياسات للمساعدة على إنقاذ الأميركيين من ركودٍ كبيرٍ آخر، أو ما هو أسوأ منه. وتشمل بعض الاقتراحات وضع إجراءات حماية أقوى لسوق العمل، وتوفير الرعاية الصحية الشاملة. هذا إلى جانب تزايد الدعوات للحصول على قسائم الإسكان الفيدرالية، والتعليق الرسمي لعمليات الطرد من الوظائف.
 
جيفري كوسيك* وهايلي ليستر**
*أستاذ مشارك في كلية الحكومة والسياسة العامة وكلية جيمس روجرز للقانون في جامعة أريزونا
**زميل باحث في جامعة أريزونا
ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»