فرضت جائحة فيروس كورونا المستجد (كوفيد- 19) ظروفاً استثنائية بالغة التعقيد على كل دول العالم، وقد تعاملت كل واحدة من هذه الدول بطريقتها الخاصة مع هذا التحدي غير المسبوق، الذي لم يشهد له العالم مثيلاً منذ نهاية الحرب العالمية الثانية (1939- 1945)، فتفاوتت حظوظ تلك الدول من النجاح في التعامل مع التداعيات الكارثية التي تمخضت عنها هذه الجائحة التي أصابت العالم على حين غرة، فقطعت أوصاله وحولته إلى جزر منعزلة، بعد أن كان يضج بالحركة على مدار الساعة.
كانت دولة الإمارات العربية المتحدة من أوائل الدول التي بادرت إلى التعامل مع هذه الظروف الاستثنائية من خلال استراتيجية متكاملة ومحكمة، بهدف تجاوز التأثيرات السلبية التي أفرزتها، فتم اتخاذ حزمة من التدابير الاقتصادية المهمة، منها إطلاق حكومة أبوظبي 16 مبادرة لتحفيز النمو الاقتصادي، وتخفيف الأعباء عن الشركات، كما أعلن مصرف الإمارات المركزي دعمه البنوك العاملة في البلاد بقيمة إجمالية تبلغ 100 مليار درهم. وتم إطلاق حزمة من المبادرات الاجتماعية لتعزيز التلاحم المجتمعي خلال هذه المرحلة الصعبة، ولكن الأولوية كانت بطبيعة الحال لحصر انتشار الفيروس ووقف العدوى به لمنع حدوث المزيد من الإصابات عن طريق تكثيف عملية الفحص، ولتحقيق هذا الهدف تم اتخاذ العديد من الخطوات، منها تأسيس مراكز الفحص من المركبة في كل إمارات الدولة، وفي نهاية شهر مارس الماضي، أعلنت مجموعة «جي 42» الرائدة في مجال الذكاء الاصطناعي والحوسبة السحابية، التي تتخذ من أبوظبي مقراً لها، ومجموعة «بي.جي.آي» الرائدة عالمياً في مجال حلول الجينوم، إطلاق مختبر حديث بقدرات معالجة فائقة لإجراء عشرات آلاف الاختبارات. ويعد المختبر الأول من نوعه بهذا الحجم في العالم يتم تشغيله خارج الصين.
وقد أقر مجلس الوزراء في اجتماعه الأخير، يوم الثلاثاء الماضي، برئاسة صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، رعاه الله، المزيد من الإجراءات الإضافية لتعزيز قدرة الدولة على مكافحة جائحة فيروس كورونا المستجد، ومنها اعتماد المجلس تشكيل فريق لدراسة الاستغلال الأمثل للمنشآت الحيوية خلال الطوارئ والأزمات، ويختص بإعداد خطة الاستغلال الأمثل للمنشآت الحيوية بالدولة خلال الطوارئ والأزمات، ودراسة آليات وإجراءات تحويل استخدامها عند الحاجة لأغراض تخدم مختلف القطاعات الاستراتيجية بالدولة، ووضع آليات وإجراءات تحويل المرافق العامة والحيوية بالدولة، كالمستودعات وقاعات المعارض والمدارس وغيرها، مع إمكانية تجهيزها على الفور، كمرافق صحية، تخدم أهداف الوقاية والمعالجة والتشخيص والتخزين في أنحاء الدولة كافة، عند الحاجة إلى ذلك.
وفي سياق متصل، وتنفيذاً لتوجيهات صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة، حفظه الله، أعلنت شركة أبوظبي للخدمات الصحية «صحة» تجهيز ثلاث مستشفيات ميدانية في مناطق مختلفة بالدولة، كمرافق طبية إضافية مجهزة ومهيأة للتعامل مع حالات الإصابة بفيروس كورونا المستجد (كوفيد – 19)، حيث يتم إنشاء مستشفى ميداني في مدينة الإمارات الإنسانية بمدينة محمد بن زايد بأبوظبي، يمتد على مساحة تصل إلى 29 ألف متر مربع، ومن المقرر أن يتم الانتهاء منه بحلول الأسبوع الأول من شهر مايو المقبل، حيث سيعمل فيه فريق طبي يتألف من 200 فرد، وتبلغ طاقته الاستيعابية 1200 مريض. كما يتم إنشاء مستشفى ميداني في مركز أبوظبي الوطني للمعارض «أدنيك» تصل طاقته الاستيعابية إلى 1000 مريض، ويديره طاقم طبي قوامه 150 فرداً، ويمتد على مساحة 31 ألف متر مربع، أما المستشفى الميداني الثالث، فيتم إنشاؤه في «دبي باركس آند ريزورتس» على مساحة 29 ألف متر مربع، ليبدأ نشاطه بنهاية أبريل الجاري، حيث سيتم تشغيله من خلال طاقم طبي قوامه 200 شخص، ويستوعب 1200 مريض.
*عن نشرة «أخبار الساعة» الصادرة عن مركز الإمارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية.