لو كانت أزمة كورونا محصورة في منطقة الخليج لتفهمنا مشكلة البعض في التشفي بانهيار أسعار النفط وركود الاقتصاد وكل الآثار التي حلت جراء الأزمة، لكن كورونا جائحة عالمية انتشرت على كامل الكوكب وتجاوزت جميع الحدود والبحار والمحيطات فأثرت على سطح الكرة الأرضية برمته، وحالة انهيار أسعار النفط لم تطل نفط الخليج حتى اليوم وقد لا تطاله، بل المشكلة تتعلق بنفط غرب تكساس الأميركي والعقود الآجلة لتسوية شهر مايو ومواجهة نقص حاد في قدرات التخزين التي جعلت الشركات تضطر للدفع للمشترين بسعر السالب لنقل الخام بعيداً عن منشآتها تفادياً لدفع أموال أكثر لتخزينه وبالتالي استئجار ناقلات نفط ضخمة لتخزين الخام الفائض.. وهي على كل حال مشكلة تجارة براميل ورقية ومضاربات تجارية على الورق فقط، سببها الركود الاقتصادي ونقص الطلب مع توقف حركة الطيران والمصانع وتراجع التشغيل والطلب على الوقود ومشتقات البترول، كتداعيات طبيعية وحتمية لجائحة كوفيد -19، وهي الأولى من نوعها في عصرنا الحالي. وهذه المشكلة الكبرى تضع أميركا بين فكي كماشة؛ إما تسيير حركة التجارة كما كانت وإعادة عجلة التنمية والاقتصاد لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، أو تطبيق شعار «الإنسان أولاً»، وهم للأولى أقرب!

وفي منطقة الخليج تسير الأمور بمعدلات غير مقلقة. قد تتأثر أسعار البترول ومشتقاته بشكل أكبر لبعض الوقت في حال استمرار الأزمة، وهذا أمر طبيعي، لكن اللافت هو حالة التشفي والشماتة من بعض الإخوة في بعض الدول العربية، ومنهم كتّاب ورسامو كاريكاتير ومحللون اقتصاديون، مما ينم عن جهل وفهم خاطئ لأساس المشكلة وظروف المنطقة وأسباب أزمة تدهور أسعار النفط وتبعاتها. ففي منطقة الخليج لا وجود لأزمة التخزين والعقود الآجلة، بل هي مشكلة أسعار واختلاف في الرؤى لدى اعتماد موازنة خفض الأسعار بين دول «أوبك». فما الداعي لردات الفعل الشامتة من البعض، علماً بأنه في حال أي انهيارات نفطية -لا قدّر الله- فالنتيجة ستكون عامة على المنطقة بأكملها تبعاً لإحصائيات الدعم الخليجي الذي تتلقاه عدد من الدول العربية. فالأولى أن يكون الفزع عربياً عاماً وليس لمنطقة عربية دون أخرى، وأن تكون التطلعات والتحليلات نابعةً من رصد واقعي واستشراف متزن بعيداً عن العاطفة وما تضمره نفوس البعض، كزعم أحد المحللين أنه من الممكن أن تتحول منطقة الخليج إلى فوضى مفتعلة لإفساح المجال أمام العملاق الأميركي كي يتربع على عرش أسواق تصدير الخام بعد أن تفقد المنطقة أهميتها الاقتصادية.. إلى آخر هذه الهرطقات! وهنا يجب التفريق بين التحليلات والأماني.

لا شك في أن لهذه الأزمة انعكاساتها وتأثيراتها التي ستلقي بظلالها على المنطقة العربية عامة ومنطقة الخليج خاصة، ربما لسنوات مقبلة وليس للعام الجاري فحسب. ولا شك في أن السياسة التي اتبعتها الإدارة الأميركية كانت جزءاً من هذا التدهور مما يجعل الجميع يتهيأ للأسوأ وينتبه لأهمية سياسة شد الحزام، فنحن فعلياً في مواجهة أمرين تداركنا خطورتهما مبكراً، لكنهما لا زالا قائمين: ارتفاع الإنتاج وانخفاض الطلب، وهذا ما تعمل عليه وزارت البترول في دول مجلس التعاون الخليجي وسوف يتم احتواؤه إن شاء الله.

 

*كاتبة سعودية