هل يؤّمن لنا الصحة بحرُ الفيروسات داخل أجسادنا؟»، عنوان بحث المجلة العلمية العالمية «العلم» (SCIENCE) يذكر أن الفيروسات موجودة في كل مكان، من البحار والمحيطات حتى تربة الكرة الأرضية، وأنها تلعب دوراً مهماً داخل جسم الإنسان، الذي يمتص مليارات الفيروسات يومياً، ثلاثون ملياراً منها تمتصها القناة الهضمية. ومع أن الفيروسات اكتُشفت مطلع القرن الماضي، لكن غير معروف تَحركها. ويُعتقدُ أنها تنظم مناعة أجسامنا، وبعضها المدفون في الحمض النووي لكل إنسان، موروثة من عصر إنسان «النياندرثال». و«شيء واحد عرفتُه في عمري الطويل، وهو أن جميع علومنا إذا قارناها بالواقع بدائية وطفولية، ومع ذلك فهي أثمن ما نملك». قال ذلك أبرز علماء القرن العشرين إنشتاين، وبعد مرور عقود طويلة، تفاجئُ البشرَ بدائيةَ وطفوليةَ العلم عما يُسّمى «كون الفيروسات» داخلنا.
و«الفيروسات باختصار أخبار سيئة مغلفة بالبروتين»، قال ذلك العالم اللبناني الأصل «بيتر مدور» الذي مُنح «نوبل» في الفسيولوجيا عام 1960. وخلافاً للتصورات القديمة، لا يولد الإنسان نقياً من كل بكتيريا وفيروس، بل تُبذرُ فيه وهو في الرحم، ويحمل كل إنسان مئة تريليون بكتيريا طوال عمره. وتتكون كل بكتيريا من خلية حية، ومدهش كيف تبحث دائماً الفيروسات التي تتكون من مادة الحمض النووي غير الحية عن وسط يُحييها، فتصيب الحيوانات أيضاً، والنباتات، والفطريات، وهي بارعة في نصب الكمائن، وشن هجمات مفاجئة تثير أوبئة جديدة، كما حدث عند ظهور مرض الإيدز في ثمانينيات القرن الماضي. واكتشف العلماء بعد بحث سنوات أن مصدر الفيروس قرد الشمبانزي. وفي عام 2003 هجم فيروس التهاب الجهاز التنفسي الشديد SARS ومصدره الخفافيش، وفيروس مماثل حمل اسم الشرق الأوسط MERS لم تتأكد الشكوك حول أصله من الِجمال.
وفيروس كورونا واحد من نحو سبعة آلاف فيروس معروفة أسماؤها، ومئات الآلاف المكتشفة لا أسماء لها بعد، وتريليونات تنتظر من يكتشفها. وتوسمُ عادة البروتيناتُ القديمة الخلية الحية لتدميرها، لكن فيروس كورونا يزيل هذا الوسم، ويضعف قدرة الخلايا على مكافحته. ويتزاوج بروتين كورونا مع بروتينات أخرى في الخلية فينتج فقاعات تتركب فيها نسخ جديدة من كورونا.
وفي رسالة شخصية أوضح العالم الفلسطيني منير نايفة، أستاذ الفيزياء في «جامعة إيلينوي» بالولايات المتحدة، «الصعوبات التي يواجهها العلماء في الإحاطة بالتركيبات والمواصفات النووية، والجزيئية، والإلكترونية، والبايوطبية لفيروس كورونا، واستخدام قياسات وضوابط متعددة في محاولة الوصل بينها». وشرح «نايفة» إمكانية تصوير الفيروس الواحد بوساطة مجهر المسح الإلكتروني، وتصويره بوساطة مجهر نقل الحركة الإلكتروني، وكثير منها تمكن دراستها مجتمعة بوساطة العمليات القياسية الكيمياوية البيولوجية، للتأكد من وجودها أو عدم وجودها.
وذكر الكاتب العلمي الأميركي «كارل زيمر» أن فريقاً من علماء الفيروسات في الصين اكتشفوا التركيب الجيني لفيروس كورونا، وأذاعوه على العالم. وأقرّ في مقال في «نيويورك تايمز» بأن واشنطن تلكأت في فحص حالات الإصابة، وقصرتها على القادمين من الصين، فيما كشف الفحص الجيني أن معظم الإصابات في نيويورك مصدرها أوروبا. واتهمت واشنطن «زيمر» بممالأة الصين على غرار اتهامها «منظمة الصحة العالمية»، حيث أوقفت مدفوعاتها في موازنة المنظمة، شبه الموقوفة أصلاً. وفوّت هذا السلوك على البشرية اكتشاف فيروس كورونا في الوقت المناسب والحيلولة دون حدوث الجائحة.
ولو أن الغرب أنفق على بحوث تطوير أمصال مضادة لفيروس كورونا جزءاً بسيطاً من تريليونات الدولارات التي أنفقها على حروب العراق وأفغانستان ولييبيا وسوريا لأمكن تجنب هذه الجائحة التي تجاوز عدد المصابين فيها المليونين وقتلاها أكثر من 100 ألف شخص.
وتستدعي عبارة تباعدوا التي تتردد حول العالم معكوسها، لأن تحقيق التباعد المطلوب مستحيل دون التقارب على مستوى المجتمعات والدول وعلى الصعيد العالمي.

*مستشار في العلوم والتكنولوجيا