فرنسا ليست بحاجة إلى فيروس كورونا لتنتبه إلى فوائد الحكومة الكبيرة. فقبل وصول الوباء، كانت فرنسا بالفعل أكبر الدول إنفاقاً وجمعاً للضرائب بالنسبة للناتج الاقتصادي وسط نظرائها في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية. وبينما أدرك الأميركيون متأخراً مزايا توافر خدمة مدنية فعالة في حالة حدوث وباء، تقوم الدولة الفرنسية بأكثر ما قامت به دائماً، وهو تعزيز خطط الإجازة القائمة والتعهد بتقديم 325 مليار دولار (300 مليار يورو) في ضمانات قروض مصرفية وحماية الشركات القومية الكبيرة، لكن أكبر الدول إنفاقاً عاماً في العالم المتقدم شعرت بالعجز أمام هذا الفيروس.

فنظام الرعاية الاجتماعي الفرنسي نادراً ما افتقر إلى أي شيء، لكن الدولة عانت العجز نفسه في الإمدادات-مثل الكمامات- الذي شهده باقي العالم. والتردد في إجراء الاختبارات على نطاق واسع تبدو، كما لو أنها مشكلة موارد. ففي مارس، حققت ألمانيا- ذات المعدل الأقل بكثير من الوفيات عن فرنسا- الهدف الذي اعتزمت الحكومة الفرنسية بلوغه في 11 مايو بإجراء 500 ألف اختبار في الأسبوع. وإجراءات فرنسا الصارمة في الإغلاق حظيت بتأييد شعبي واسع في بداية الأمر، لكن أصبح يُنظر إليها باعتبارها من أعراض بطء الاستجابة على الأزمة، خاصة مع تحرك دول أخرى سريعاً في سبيل رفع عمليات الإغلاق فيها. وتضررت الثقة في الرئيس إيمانويل ماكرون بعد تحسن في بداية الأمر في استطلاعات الرأي قبل شهر، ولم تتحسن إلا قليلاً بعد كلمة في الآونة الأخيرة أقر فيها ب «الضعف».
وإذا كانت الحكومة الكبيرة هي فعلاً أفضل ترياق لأزمة الجائحة الحالية، فكيف تفشل دولة ذات نفوذ واسع - كانت تصنف ذات يوم بأنها ذات أفضل نظم الرعاية الصحية في العالم- في أن تتصدر طريق معالجة مرض كوفيد-19؟
وبعيداً عن عوامل، مثل الحظ أو عدم إمكانية توقع الإصابة بالفيروس، يعتقد الفرنسيون فيما يبدو أن المشكلة لم تكن في عدم التدخل الكافي من الدولة، وقلة الإنفاق. فقد توصل مسح في الآونة الأخيرة بشأن مستقبل فرنسا أجرته صحيفة ليبراسيون إلى أن 84% يريدون أن تنقل الدولة بقدر ما تستطيع أماكن التصنيع بعيداً عن آسيا و68% أرادوا تأميم الصناعات الاستراتيجية و56% أرادوا أن تتدخل الدولة بشكل منهجي في النشاط الاقتصادي، وأراد 54% صيغة أشد حزماً في الحمائية القومية. وفاز ماكرون بانتخابات عام 2017 بناء على برنامج انتخابي يعد بإصلاح فرنسا. ووعد ماكرون باستثمارات «هائلة» مصرحاً لصحيفة لوبوان «لطالما آمنت بالدولة».
وإعادة صناعات السلع الاستراتيجية إلى البلاد مهم لبعض المناطق، لكن الفكرة العامة بأن الدولة كانت تفتقر إلى الموارد المالية، أو السلطة في هذه الأزمة فكرة غير مقنعة. فألمانيا تنفق النسبة نفسها من إنتاجها المحلي الإجمالي على الرعاية الصحية التي تنفقها فرنسا وتبلغ 11.2% لكن البلاد بها عدد أكبر من أسرّةِ العناية المركزة. ولدى ألمانيا عدد أكبر من الأطباء والممرضين أيضاً كنسبة لعدد السكان من جارتها وفقاً لبيانات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.
وهذا يقودنا إلى صناعة القرار وليس المال. ففي ألمانيا، أعطى الهيكل الأقل مركزية نفوذاً أكبر للولايات الاتحادية، وجعل من الصعب حرمان المناطق من موارد الحكومة المركزية. لكن نظام فرنسا المركزي من أعلى لأسفل فعلَ العكس تماماً. فعلى مدار سنوات، فضلت بيروقراطية الدولة في فرنسا وجود مستشفيات كبيرة فارهة في المناطق الحضرية بينما تعاني مناطق أخرى من شح الإمكانيات الطبية متجاهلة احتجاجات المسؤولين المحليين. لقد كانت الدولة هي التي قررت عام 2013 أن المخزن القومي من الكمامات قد لا يكون ضرورياً. والدولة هي التي اتخذت موقفاً حذراً من إجراء الاختبارات على فيروس كورونا، بعد أن أعلنت منظمة الصحة العالمية عن الجائحة. والدولة هي التي رفضت منح تصريح تنظيمي ل 75 معملاً إقليمياً لإجراء ما يصل إلى 300 ألف اختبار في الأسبوع، وفقاً لصحيفة لو بوان.
*كاتب فرنسي متخصص في الشؤون الأوروبية