من أمة تعاني وتصرخ أنها ستواجه مصيراً كارثياً أسود والعالم يجب أن يستعد لذلك، إلى دولة تسيطر على انتشار فيروس كوفيد-19 وتعلن إنشاء «طريق الحرير الصحي»، كجزء من مبادرة الطريق الواحد للحزام الواحد لإنقاذ العالم، ومد يد العون والمساهمة في إنقاذ دول العالم، التي يتخلى عنها أبناء الإقليم والقارة، وأما الولايات المتحدة، فكل المؤشرات كانت واضحة وضوح الشمس، بأن الفيروس سينتشر كالنار في الهشيم، والإدارة لم تحرك ساكناً لوقف ذلك، حتى تعدت الأرقام 700 ألف مصاب وفي تصاعد، وهي التي كانت في أشد الحاجة لتقليل التزاماتها تجاه المسنين والفقراء، وديون سيادية هي الأعلى في العالم وخاصة للصين، وكانت الحرب هي المنفذ الوحيد لإنهاء ديونها مع الصين، وتخفيف أعباء الحكومة الغارقة في المشاكل المالية، وقس على ذلك باقي الاستجابات من الدول التي كانت المتضرر الأكبر اقتصادياً، وتنزف بشدة واقتصادها كان على حافة الهاوية، وهي بالمناسبة التي تعاني اليوم من أكبر عدد من المصابين في العالم، وخاصة الوفيات، فهل نستطيع أن نرى بوضوح جدول الأعمال الكبير وراء هذا الذعر؟ وهل الدول العظمى ستستغل الجائحة لوضع القواعد والأنظمة الجديدة للعالم؟ فما أرادت بشدة تنفيذه مع مقاومة شديدة لتطبيقه من دول العالم الصاعدة في ميزان القوى، أصبح اليوم ممكناً!
ففي المرحلة القادمة سيضعف مفهوم الهيمنة، مقابل تقاسم للنفوذ، وتحالفات دولية تحدد ملامح أولويات الجهات التي ستصبح الفاعلة اقتصادياً، وتضع القواعد لإعادة بناء العالم بعد كوفيد-19، وتوطيد الاعتقاد الإيديولوجي داخل النخب الاستراتيجية، وهو ما سيدفع بدوره واشنطن وبكين وموسكو إلى أجندة ضخمة مشتركة لما بعد كوفيد-19 والقيادة المشتركة أو شبح انهيار اقتصادي كلي، وإن كانت الأزمة المالية العالمية 2020 قد بدأت، وسيظهر تأثيرها الكبير خلال الـ 24 شهراً القادمة، والتمتع بوفرة في الموارد الاقتصادية والطبقة الابتكارية الأكبر في العالم، لن ينقذ أميركا من الأزمة، في حين تمتلك الصين وحدة القيادة وأكثر الأجهزة تماسكاً، كقوة متنوعة (محلياً ودولياً)، وروسيا الأكثر مكراً ودهاء، مع قدرة كبيرة على التكثيف أو التعبئة، وكان لابد من التقليل من عدد السكان في بعض الدول بالتحديد، لحدوث تعافٍ اقتصادي مقبول.
وأما محور روسيا نحو الصين، فسيكون قد توطد بسبب هذه الحالة الطارئة، ولكنه يظل جزئياً، حيث إن العقلية الروسية أوروبية في التوجه، والعلاقة الثنائية مع بكين تعاني، على المدى المتوسط، من عدم التكافؤ الأساسي في القدرات، وهو عادة ليس في صالح موسكو.
وفي الوقت نفسه، ستنهض من تحت الرماد بنية حزمة اقتصادية دولية تاريخية، بما في ذلك المشاريع المشتركة الضخمة، العامة والخاصة على حد سواء، وستبتلع البنوك الكبيرة البنوك الصغيرة، وشركات الاستثمار ستتحد وتشكل قوة في صنع القرار الدولي، وفي إعادة تشغيل الاقتصاديات المفككة في مختلف أنحاء العالم، وإنشاء مؤسسات أممية افتراضية، والقبول بأن كل دولة كبرى لها حدود نفوذ تقبل به الأخرى، وبروز عصر القطبية المشتركة بمشاركة 3 دول أو أكثر، وسقوط الأسطورة المؤسسية للحكومة الحديثة ومفهوم دولة لا تقهر يحميها جيش عظيم وحكام أقوياء، ولم يعد الغرض من الدولة الشرعية حماية الشعب من عدو خارجي، إنما توفير الاحتياجات الأساسية للشعب وتجهيزه لمواجهة قوى الطبيعة.
*كاتب وباحث إماراتي متخصص في شؤون التعايش السلمي وحوار الثقافات.