مرّت ثلاثة أشهر على إعلان منظمة الصحّة العالمية فيروس كورونا وباءً عالمياً، تخللتها قمم افتراضية (بالفيديو) لقادة دول «مجموعة الـ20» وأخرى لقادة دول «مجموعة الـ7» وجلسة لمجلس الأمن بكامل أعضائه الـ15، ويُتوقّع عقد قمة للدول الـ5 دائمة العضوية فيه. وفي الأثناء اجتمع أيضاً وزراء المال للدول العشرين، ومن أبرز ما قرّروه تعليق مدفوعات ديون الدول الأكثر فقراً لمدة سنة وتخصيص تريليون دولار لدعم قدراتها الصحية واقتصاداتها. ويعدّ هذا الإجراء الأكثر تقدّماً من زاوية التضامن الدولي، فليست هناك مصلحة في ترك هذه الدول معرّضة للاضطراب مع احتمال التأثير في الاستقرار الإقليمي والدولي.
ويُؤمل في أن تتوصل الدول الـ5 إلى اتفاق يتبنّاه مجلس الأمن لاحقاً لإقرار «هدنة عالمية» أو «هدنة كورونا»، في النزاعات المسلحة، فتكتمل بذلك منظومة مواجهة الوباء على النحو الأمثل، نظرياً على الأقل. ولا شك أن الأطراف المعنية مباشرةً هي التي ستضطلع بالدور الرئيسي، فلا مصلحة لها في أن يفتك المرض بأعداد كبيرة من أبناء شعوبها، أياً تكن الاعتبارات السياسية. وبعيداً عن الإفراط في التفاؤل، فليس مؤكّداً أن إرادة الدول الكبرى هي التي تحل وحدها تلك النزاعات، حتى لو توفّرت تلك الإرادة فعلياً. وإذا نجحت الهدنة في تحقيق هدفها الرئيسي، أي احتواء الوباء، فربما يُبنى عليها لبلورة تسويات سلمية لطالما تعذّر إنجازها تحت ضغط القتال.
وفي غضون ذلك تكثر حالياً التقارير والدراسات التي تحذّر من «زلزال» اقتصادي واجتماعي في الشرق الأوسط وأفريقيا.  وبمعزلٍ عن التسمية شكلا ومضموناً، تلوح مؤشرات مقلقة، فثمّة دول كسوريا واليمن وليبيا والكاميرون ومالي دمّرت الحروب مقوّمات اقتصاداتها، ودول مثل لبنان والسودان وتونس وفلسطين تمر بأزمات اقتصادية ومالية خانقة، ودول مثل العراق والجزائر خسرت جزءاً مهماً من دخلها جرّاء هبوط أسعار النفط. في كل هذه الحالات فاقمت متطلبات مكافحة فيروس كورونا من الأزمات ورتّبت أعباء غير متوقعة على الميزانيات العامة. وفي مجمل هذه البلدان يشكّل السكان الذين يعيشون على خط الفقر أو تحته نسبة عالية، ونبّهت منظمة الصليب الأحمر ومنظمات حقوقية إلى أن هذه النسبة زادت بسبب الحجر المنزلي ووقف النشاط الاقتصادي وفقد الكثيرين أعمالهم، حتى أن هذه الظروف القسرية قلّصت قدرة كثيرين على توفير سبل العيش لأسرهم.
وتستعد الدول كافة لما بعد الجائحة بكثير من الحذر والقلق، غير أن تلك التي لا تملك خططاً ولا موارد ستواجه صعوبات أكثر خطورة. وإذ تختلف ذروة تفشي الفيروس بين بلد وآخر فإن مخاوف منظمة الصحّة تتركّز للفترة المقبلة على الدول النامية والفقيرة، خصوصاً تلك التي لم تتعرض لعدد كبير من الإصابات والوفيات، سواء لأنها لم تجرِ العدد اللازم من الفحوص أو لأن مدّها بالمعدات الطبية لم يسدّ حاجاتها. والمشكلة هنا ليست مصطنعة أو مبالغاً في تضخيمها، إذ إن حالة «كورونية» واحدة في بيئة تعاني نقصاً في الرعاية الطبية والغذاء والماء والكهرباء، مع وجود نازحين ولاجئين في دول منكوبة بالنزاعات، من شأنها أن تقضي لاحقاً على كثير من الأرواح.

*محلل سياسي -لندن