يختلف الأمن البيولوجي عن الأمن الصحي في كونه معنياً بالتدابير والإجراءات الهادفة إلى تجنب خطر انتقال الأمراض المعدية، سواء للإنسان أو للمحاصيل أو للحيوانات، سواء من جراثيم طبيعية، أو من تلك التي تم تعديلها وراثياً. ومنذ عقد التسعينات، وكنتيجة للمخاوف من الإرهاب البيولوجي، اشتمل مجال الأمن البيولوجي على الإجراءات والتدابير التي تمنع سرقة المواد البيولوجية من معامل الأبحاث.
ومؤخراً تناولت وسائل الإعلام، وخصوصاً الأميركية الموالية لدونالد ترامب، نظرية تطرح مزاعم مفادها أن فيروس الكورونا الحالي لم ينتقل إلى البشر من حيوان بري في إحدى أسواق مدينة ووهان الصينية، وإنما خرج من معمل صيني متخصص في أبحاث ودراسات الفيروسات.
وحسب تقرير نشرته «واشنطن بوست» مؤخراً، تدعم هذه المزاعم مراسلات من البعثة الدبلوماسية الأميركية عام 2018، أظهرت قلق المسؤولين في السفارة من مستوى الأمن والسلامة في المعهد المذكور، مطالبين الحكومة الأميركية بتوفير المزيد من الدعم المالي والفني للمعهد. كما زعمت الجريدة أن المسؤولين الأميركيين أبدوا عميق قلقهم، من أن الأبحاث التي يجريها المعهد، على أحد أنواع فيروسات الكورونا ينتشر بين الخفافيش، يمكن أن يؤدي إلى وباء عالمي مشابه لوباء السارس.
هذا السيناريو محتمل طبعاً، ولكنه ليس مؤكداً، ويخضع للفحص والتمحيص، مثله مثل النظريات الأخرى المتعلقة بمنشأ الفيروس. فحتى الاعتقاد الشائع بأن الفيروس قفز من حيوان إلى إنسان في أحد الأسواق، لا تزيد حتى الآن عن كونها نظرية، ناهيك عما قاله المتحدث الرسمي لوزارة الخارجية الصينية من أن منشأ الفيروس، هو جنود أميركيون كانوا في زيارة للمدينة المنكوبة، وإن كان ليس من الواضح في ادعائه إذا ما كان ذلك عمداً أو عن غير قصد.
وتلقي نظرية المعمل تلك بالضوء على قضية امتلاك بعض معامل الأبحاث لعينات من فيروسات قاتلة ورهيبة، مثل فيروس الجدري الذي تم القضاء عليه تماماً في الطبيعة، ولكن لا زال هناك عينات منه في معملين، واحد في الولايات المتحدة والآخر في روسيا. وسيناريو هروب هذا الفيروس من أحد المعملين، أو غيره من الفيروسات التي تم تعديلها وراثيا للاستخدام كسلاح بيولوجي، سيشكل كارثة غير مسبوقة، قد تهدد بسقوط الضحايا بالملايين، كما كان العهد دائماً مع فيروس الجدري والذي يقدر أنه قتل 300 مليون شخص خلال القرن العشرين فقط.
*كاتب متخصص في الشؤون العلمية والطبية.