الأربعاء 17 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

ليبيا.. المصالحة بوابة العبور إلى المستقبل

ليبيا.. المصالحة بوابة العبور إلى المستقبل
29 مايو 2023 01:27

شعبان بلال (القاهرة)

تمضي ليبيا بخطوات دقيقة نحو إجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية التي يري الليبيون أنها الحل الأنسب لإنهاء حالة الصراع على «الشرعية» وإنهاء المراحل الانتقالية التي تعصف بالبلاد منذ سنوات عديدة. 
ومع تعثر إجراء الانتخابات في ديسمبر 2021 بسبب حالة «القوة القاهرة» التي أعلنت عنها المفوضية العليا للانتخابات، إلا أن التحركات الإقليمية والدولية، تسعى للدفع قدماً نحو تنظيم عملية انتخابية، تلبي مطالب الشارع الليبي الذي يعاني أزمات معيشية وصراعات سياسية وقودها ميليشيات مسلحة تتصارع على النفوذ والسلطة.
وترصد «الاتحاد» في هذا التحقيق أبرز العقبات والجهود المحلية والدولية لإجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية.
مسارات متوازية
يسعى المبعوث الأممي لدى ليبيا عبد الله باتيلي للتحرك بمسارات متوازية مع الأطراف السياسية والعسكرية والقبلية كافة، للتأكيد على ضرورة الاستمرار قدماً نحو إجراء الانتخابات، وتهيئة الظروف اللازمة لذلك بوضع قوانين الانتخابات والإطار الدستوري وتوحيد مواقف القوى الأمنية والعسكرية الفاعلة على الأرض كي تقبل بنتائج العملية الديمقراطية، وتكون هي الحامية لها.
ويرى باتيلي، أن تحديات جسيمة لا تزال شاخصة أمام مسيرة ليبيا نحو إجراء الانتخابات، بما في ذلك ضمان بيئة آمنة، ومعالجة معضلة الميليشيات المسلحّة، والنهوض بالمصالحة الوطنية والعدالة الانتقالية، وحماية حقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني.
وتحدثت مصادر أممية مطلعة لـ«الاتحاد» عن إدراك باتيلي للتعقيد الحالي في المشهد السياسي والعسكري، حيث يسعى إلى تحقيق التوافق بين جميع الأطراف على إجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية في أقرب وقت ممكن، وذلك من خلال إرادة محلية ليبية بعيداً عن أي تدخلات خارجية تؤدي لإجهاض العملية السياسية والعودة إلى المربع الأول.
وأشارت المصادر إلى أن البعثة الأممية تركز على تفعيل المسار العسكري وتوحيد مواقف العسكريين باعتباره بوابة للحل السياسي السلمي خلال الفترة المقبلة.
ولفتت المصادر إلى أن عملية إجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية قد تجري في الربع الأول من العام المقبل حال تعثر الاتفاق بين «النواب» و«الأعلى للدولة» في تحقيق توافق حول قوانين الانتخابات والإطار الدستوري، وهو ما سيدفع البعثة الأممية إلى التحرك لتفعيل مبادرتها التي ستعمل على تشكيل لجنة رفيعة المستوى مع المكونات الليبية كافة، تكون مهمتها الرئيسية «الترتيب لإجراء انتخابات رئاسية وتشريعية متزامنة».
ورغم المحاولات التي تجري من بعض الأطراف المحلية الليبية للدفع نحو تشكيل حكومة جديدة بشكل منفرد، إلا أن البعثة الأممية تتحفظ على هذه التحركات، وترى أن تشكيل حكومة جديدة يتطلب توافقاً ليبياً تاماً وليس رغبة من طرف بعينه، لذا تتأنى البعثة الأممية في التعاطي مع النداءات التي تخرج من بعض المكونات السياسية والاجتماعية في ليبيا بالذهاب لتشكيل حكومة جديدة، لأن ذلك سيؤدي لتعقد المشهد في ظل وجود حكومتين، إحداهما في طرابلس وهي المعترف بها دولياً، والأخرى حكومة موازية مكلفة من مجلس النواب.
تحركات إيجابية
اعتبر رئيس قسم العلوم السياسية في جامعة درنة يوسف الفارسي في تصريح لـ«الاتحاد»، أن المحاولات التي يقوم بها المبعوث الأممي عبد الله باتيلي نحو حل الأزمة عبر إجراء الانتخابات أنها «إيجابية»، منتقداً التحركات التي تقوم بها أطراف محلية بغرض المراوغة لعرقلة إجراء الانتخابات، مرجحاً الكشف عن المبادرة الأممية لحل الأزمة في القريب العاجل بهدف تفعيل الحل السلمي عبر التجربة الديمقراطية.
وأشار الفارسي إلى صعوبة إجراء الانتخابات خلال العام الجاري وفق المعطيات الحالية، خاصة مع احتدام الصراع في السودان الذي دفع المجتمع الدولي للتركيز بشكل كبير على أزمته، وتراجع اهتمامه بالملف الليبي.
وأوضح الفارسي، أنه من الصعب توقع فرص نجاح الحل السياسي السلمي في ليبيا خلال الفترة المقبلة، معرباً عن أمله في أن تنجح المبادرة الأممية في الدفع نحو حل الأزمة بالتمسك بخيار إجراء انتخابات عبر حكومة مصغرة تشرف فقط على عملية تنظيم الانتخابات.
وشدد على أن المعطيات الراهنة في ليبيا ليست سهلة في ظل محاولات من أطراف خارجية لفرض أجندتها السياسية والعسكرية.

فرصة أخيرة 
مع تعاظم الخلافات الداخلية في ليبيا، منحت البعثة الأممية، الفرقاء في السلطة التشريعية، وتحديداً مجلسي النواب والأعلى للدولة، فرصة أخيرة لإنجاز قوانين الانتخابات والإطار الدستوري بحد أقصى شهر يونيو الجاري، بحيث يتم الاتفاق على القوانين كافة و«القاعدة الدستورية» اللازمة كي تتم إحالتها للمفوضية العليا للانتخابات للنظر فيها، وحسم إمكانية إجراء الانتخابات، وفق هذه القوانين أو المطالبة بتعديلات جديدة.
ويعد إعلان اللجنة المشتركة لإعداد القوانين الانتخابية «6+6» بتمكنها من تحقيق توافق كامل بخصوص عدد من الملفات الخلافية، بارقة أمل لدى الليبيين الذين يترقبون ما ستسفر عنه اجتماعات «بوزنيقة» في المغرب، وإمكانية حدوث توافق مجلسي النواب والأعلى للدولة على قوانين الانتخابات والقاعدة الدستورية اللازمة. وأكد المتحدث باسم اللجنة المشتركة «6+6»، عمر أبو ليفة، أن اللجنة حققت توافقاً كاملاً بخصوص النقاط المتعلقة بانتخاب رئيس البلاد، وأعضاء مجلس الأمة، علاوة على كيفية إشراك الأحزاب في انتخابات مجلس النواب عبر قوائم حزبية أو ترشحات فردية، مشيراً إلى وجود تقدم في تحديد وتوزيع مقاعد مجلسي النواب والشيوخ حسب الدوائر الانتخابية، والإجراءات الخاصة بتشكيل واعتماد قوائم الترشيحات وتمثيل المرأة، وضبط الجرائم الانتخابية.
صعوبات مستمرة
اعتبر الباحث السياسي الليبي إدريس أحميد، أن الملف الليبي يواجه صعوبات جمة منذ عام 2011، موضحاً أنه رغم إجراء انتخابات في عامي 2012 و2014 لكنها لم تنتج حلاً نهائياً للأزمة، مشيراً إلى أن بقاء مجلسي النواب والأعلى الدولة في المشهد لمدة 8 سنوات خير دليل على ذلك.
وأوضح أحميد لـ «الاتحاد» أن الصراع العسكري والأزمات السياسية في ظل حكومات متعاقبة لم ينتج أي حل للأزمة، مشدداً على أن ليبيا تحتاج إلى مؤتمر مصالحة حقيقي يعمل على ترسيخ العدالة الانتقالية وإرساء الثقة بين مختلف الأطراف وتهيئة الشارع الليبي بأن يمارس دوره الحقيقي من خلال الضغط الشعبي بالتوازي مع ضغط حزبي على المجتمع الدولي للاستجابة لمطالب الليبيين.
وأضاف: «جموع الليبيين غائبين عن المشهد السياسي بسبب الأزمات والكراهية التي سعت أطراف فاسدة لزرعها داخل المجتمع».
ولفت إلى أن «الأطراف التي تتصدر المشهد السياسي حالياً لا تمثل إلا نفسها، وتتحاور مع بعضها البعض لإبرام صفقات سياسية، وأن المجتمع الدولي يعي جيداً الأطراف المعرقلة للحل، ويدرك تأثيرات التدخلات الخارجية في الشأن الداخلي، ما أثر على إيجاد حل للأزمة».
ودعا الباحث السياسي الليبي إدريس أحميد، إلى ضرورة تفعيل المواقف الدولية الخاصة بحل أزمة ليبيا، خاصة دور الولايات المتحدة، مؤكداً أن حسم الصراع يتطلب موقفاً دولياً ضاغطاً وفاعلاً وملاحقة المعرقلين كافة.
وحذَّر من بعض المحاولات التي تجري لفرض «نظام حكم معين» خلال الانتخابات المقبلة، مشدداً على ضرورة ترك الشعب الليبي وحده يقرر مصيره، ويتفق على نظام الحكم الذي يناسبه، معرباً عن أمله في أن تخرج اجتماعات اللجنة «6+6» بتوافق وتحرك إيجابي للدفع نحو إجراء الانتخابات.
الأزمة الداخلية
قال الباحث السياسي الليبي إدريس أحميد إن الأزمة الداخلية معقدة في ظل حالة عدم الثقة بين الأطراف المختلفة مع وجود بعض الأطراف التي تسعى لإقصاء شخصيات بعينها من الترشح للانتخابات الرئاسية، وتهميش دور الأحزاب السياسية التي تتمسك بإشراكها في العملية السياسية، داعياً المبعوث الأممي للاستفادة من الأخطاء السابقة، بالعمل على إيجاد حل حقيقي يثبت أن هناك إرادة حقيقة من الأمم المتحدة لإرساء الاستقرار في ليبيا.
وحذر الباحث الليبي من الخطر الحقيقي المحدق بالبلاد الذي يكمن في انتشار السلاح بشكل كبير، خصوصاً بين الميليشيات، داعياً إلى ضرورة العمل على إشراكها في العملية السياسية، والتحرك لإعادة هيكلتها ودمجها في صفوف القوات المسلحة.
وحذر أحميد من المشكلة الأكبر التي تكمن في احتمالية رفض بعض الأطراف لنتائج الانتخابات حال عدم إبرام مصالحة وطنية حقيقية.
تحديات عدة
تواجه البعثة الأممية في ليبيا تحديات عدة لإنجاح العملية الانتخابية، منها ضمان بيئة آمنة وسليمة لإجراء الانتخابات، ومعالجة معضلة التشكيلات المسلحة، والنهوض بالمصالحة والوطنية والعدالة الانتقالية، وحماية حقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي، وتتطلب هذه التحديات تضافر مساعي الأطراف الليبية والإقليمية والدولية كافة لدعم تطلعات الشعب الليبي في إجراء الانتخابات.
وتعد مشكلة وجود المرتزقة والقوات الأجنبية والمقاتلين الأجانب أحد أبرز التحديات التي تهدد المشهد الليبي، وتدفع نحو إزكاء الصراع، وهو ما يتطلب دوراً فاعلاً وحاسماً من الأمم المتحدة والأطراف الدولية المعنية باستقرار ليبيا للدفع قدماً نحو تفعيل القرارات الأممية ذات الصلة، خاصة القرارين 2570 و2571.
ورغم الصعوبات والتحديات التي تواجه المشهد السياسي الليبي نتيجة التدخلات الخارجية، إلا أن الليبيين يتمسكون بأمل إجراء انتخابات حرة ونزيهة تنتج من خلالها مؤسسات منتخبة، سواءً مجلس الأمة الذي يعمل على تشريع القوانين والعمل على إصلاح الخلل الذي تعاني منه المؤسسات كافة، وكذلك رئيس للبلاد يكون قادراً على حماية ليبيا من التدخلات الخارجية، مع الحفاظ على المصالح الاستراتيجية للبلاد من خلال الاحترام المتبادل والمصلحة المشتركة.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©