الجمعة 29 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الأخبار العالمية

إعلام «الإخوان».. مؤشرات الفشل وتبعات السقوط

تظاهرات حاشدة للمصريين في شوارع القاهرة يوم 30 يونيو 2013 للإطاحة بحكم «الإخوان» (أرشيفية)
16 ابريل 2022 02:37

(2-2)

أبوظبي (الاتحاد)      

صدر عن «مركز تريندز للبحوث والاستشارات» في أبوظبي الدراسة السابعة ضمن «موسوعة الإخوان المسلمين» والمعنونة بـ «النشاط الإعلامي والاتصالي لجماعة الإخوان المسلمين.. الرؤية والأهداف والمستقبل» وتقع في 196 صفحة من الحجم المتوسط، لتسلط الضوء بالبحث والتحليل على ظاهرة النشاط الإعلامي والاتصالي لجماعة «الإخوان». وتشمل هذه الحلقة من العرض الفصلين الرابع والخامس. 
وتحت عنوان «وظائف الإعلام عند جماعة الإخوان المسلمين وخصائصه العامة»، تناول الفصل الرابع من الدراسة أهدافاً سعت الجماعة لتحقيقها، ووظائف قام بها الإعلام، وخصائص اتسم بها. وتتمثل وظائف الإعلام عند جماعة «الإخوان» في مجموعة أهداف تسعى «الجماعة» لتحقيقها، ورغم مرور نحو قرن على تأسيسها، فلا يوجد هناك تغيير كبير في الأهداف، حيث مازالت تتمحور بشكل عام حول تشكيل القيم الاجتماعية والدينية والأيديولوجية للجماعة، والترويج لمشروعها الفكري والسياسي، من أجل التأثير في المجتمعات والتغلغل فيها، عبر العديد من الأدوات كالسيطرة على التعليم والمؤسسات الثقافية والدينية. 
ويشير الفصل الرابع إلى أن التعبئة الجماهيرية هي هدف آخر من أهداف الإعلام «الإخواني»، وكان للجماعة دور في خروج التظاهرات ضد الأنظمة الحاكمة أو الحكومات أو حتى السياسات التي تعارضها أو لا تتفق معها أو لم يكن لها دور مباشر أو غير مباشر في صناعتها. وربما من أكثر المسائل التي سعى «الإخوان» تاريخياً إلى تعبئة الناس لها هي القتال، حيث بقيت الدعوة للجهاد محوراً أساسياً في خطاب «الإخوان» وإعلامهم منذ نشأة الجماعة.

اقرأ أيضاً: موسوعة "تريندز" ترصد النشاط الإعلامي لـ "الإخوان" (1-2)

مناسبات تعبوية
ويتضمن الفصل الرابع قدرة «الإخوان» على التعبئة في مناسبات كثيرة، فالجماعة كانت تستغل بعض القضايا التي تحظى بتعاطف واسع بين الشعوب العربية والإسلامية ولا سيما القضية الفلسطينية، وتحرص على تنظيم مسيرات وتظاهرات خاصة في أيام محددة كيوم الأرض والنكبة، كما أنها كانت لا تُفوّت حدثاً يمكن تعبئة الناس فيه إلا وتفعل، بالطبع لأهداف مختلفة، من بينها كسب الشعبية، ولا نبالغ إذا قلنا إن «الإخوان» كانوا في مراحل معينة من أقدر الجماعات على تحريك الشارع خاصة في دول مثل الأردن ومصر، قبل أن تبدأ بالظهور حركات تحمل آراء وتوجهات مختلفة وتحظى بقبول وتأييد شعبيين مثل «حركة كفاية» في مصر، التي يمكن القول إنها خطفت الأنظار وتصدرت مشهد الحراك السياسي لسنوات قبل أن ينطلق ما سمي «الربيع العربي» أواخر عام 2010، الذي امتد سريعاً من تونس إلى مصر منذراً بثورة سيكون ما بعدها مختلفاً كثيراً عما قبلها، سواء بالنسبة إلى مصر أو المنطقة ،أو على صعيد «الإخوان» أنفسهم.

استهداف فئة المثقفين
ويحرص «الإخوان» على استقطاب الأفراد إلى جماعتهم، ولذلك يستخدمون وسائل مختلفة من بينها الإعلام، ولكن ليس بالطرق التقليدية المعروفة لدى الجماعات الأخرى، فعملية الاستقطاب لدى الجماعة عملية دقيقة، ويمر فيها الشخص بمراحل مختلفة حتى يصبح عضواً عاملاً، ولكن دور الإعلام هنا يكون في نشر الأفكار والرسائل الدعوية التي تستهدف بشكل أساسي فئات مثقفة أو على درجة عالية من الفهم والقدرة على استيعاب ما وراء النصوص. وقد جندت الجماعة لهذه الغاية وسائل الإعلام المختلفة، حيث كانت تتم في البداية عبر اللقاءات الدعوية المباشرة داخل المساجد ودروس تحفيظ القرآن الكريم والأنشطة الصيفية، وكذلك عبر الصحف التي تمتلكها أو النشرات التي تصدرها، بينما أسهمت الثورة التكنولوجية في خدمة هذه الغاية كثيراً، حيث أنشأت مواقع إلكترونية منذ البداية مثل (إخوان دوت كوم)، وغيرها من المواقع التي تسعى لنشر أفكار«الإخوان» والأهداف التي يسعون إليها.

«ميمات» معادية 
كما يتعامل إعلام «الإخوان» مع المعارضة أو الخصوم بأساليب مختلفة بعضها أحياناً ينطوي على التقليل من القدر أو الشأن أو حتى التسخيف، ففي حالة مصر ما بعد الثورة، كان جزء من العمل هو نشر «ميمات»، معادية لبعض القيادات أو حتى رموز الثورة الذين يخالفون «الإخوان» في رؤيتهم، ويعدونهم أحياناً خصوماً، و«الميمات» مصطلح يستخدم لوصف شعار أو فكرة تنتشر بسرعة من شخص إلى آخر من خلال الشبكة العنكبوتية، حيث يتم نشر «ميمات» لا تحتوي على أي حوار حقيقي أو جدل سياسي جاد حول المواقف السياسية وكل الغرض منها هو التقليل من شأن بعض الشخصيات العامة وإظهارها كشخصية غير رشيدة، ومن خلال التكرار يأمل «الإخوان» أن تتحقق الرسالة من ورائها، وهي ألا تؤخذ هذه الشخصية بشكل جدي بعد ذلك، ومن الأمثلة على ذلك نشر مواقع إلكترونية تابعه للإخوان «ميماً» تحمل عنوان «حمدين صباحي واحد خَمّنا». وغيرها من «الميمات» التي تستهدف شخصيات وطنية ولكنها لا تنتمي إلى «الإخوان» أو تتخذ مواقف معارضة لهم أو لآرائهم.

توظيف الشائعات
ويعرض الفصل الرابع استخدام «الإخوان» لوسائل الإعلام في بث الشائعات ضد الخصوم، وتحديداً الحكومات والمعارضين، حيث تتناول وسائل الاتصال التابعة لجماعة «الإخوان» أسلوب إطلاق الشائعات بهدف التأثير في الخصوم، انطلاقاً مما هو مألوف: «أطلق شائعة ضد عدوك ودعه يدافع عن نفسه»، فعلى سبيل المثال استخدمت جماعة «الإخوان»، أساليب عديدة خلال اعتصامها في ميداني رابعة العدوية والنهضة دعماً للرئيس محمد مرسي، كتحدٍّ يقابل المحتجين على حكومة «الإخوان» في عام 2013، منها ما بثته حول ظهور انقسام كبير في الجيش المصري يقف إلى جانب جماعة «الإخوان»، وسيقوم ثلث الجيش بمحاكمة السيسي وأنصاره ويعتقلهم، وإن عدداً من ضباط الجيش تم اعتقالهم من قِبل عبد الفتاح السيسي.. إلخ.

الإعلام وخطاب «الجماعة»
ويؤكد الفصل الرابع الترابط بين الخطاب الأيديولوجي ل«الإخوان» ومنظومة القيم الرئيسية للجماعة التي تسعى إلى ترسيخها بين المنتمين إليها، وخاصة قيم الولاء والسمع والطاعة، كما أوضح الفصل ما يتسم به الخطاب الإعلامي لـ«الإخوان»، وحتى غيرهم من الجماعات الدينية الأخرى، بأنه يعتمد غالباً على المشايخ والدعاة وعلماء الدين، وليس على الخبراء والمتخصصين. وهؤلاء يركزون على الوظائف الدعائية أكثر منها إلى الوظائف الإعلامية من قبيل: «توجيه الرأي العام في بلاد المسلمين وفقاً لمبادئ الإسلام، وبما يخدم أهدافه، أو مناصرة القوى الإسلامية وتأييدها في جهادها ضد قوى الظلم والبغي في كل مكان، أو الإشادة بالسلوك الإسلامي، ودعم العناصر الإسلامية القدوة وتأييدها».
وناقش الفصل التوجهات البراغماتية التي أصبحت خاصية أساسية لإعلام الجماعة، حيث غدت وسائل الإعلام المختلفة التابعة أدوات للدفاع عن أفعال أو قرارات الجماعة حتى لو كانت متناقضة مع الأسس التي قامت عليها أو المبادئ التي شكلت أدبياتها، بل وأصبح الإعلام نفسه محكوماً بهذه النزعة. ولهذا، يتسم الخطاب الإعلامي لـ«الإخوان» بأنه أداة من أدوات الجماعة في إدارة صراعاتها السياسية والفكرية أيضاً، حيث يستهدف الجماعات وكذلك النظم والحكومات التي تختلف معها أو تعارضها، وهذا ما أضفى عليه صبغة الجمود.
و«الإخوان» يضعون الإعلام في مقدمة معاركهم تجاه الأفراد الذين يسعون إلى تقويض مصداقيتهم أو تصفيتهم معنوياً، وتجاه الحكومات التي يريدون إسقاطها سياسياً، والكثير من معارك الإخوان تُدار من خلال الشاشات ووسائل الإعلام الحديثة، وقد كانوا سباقين في هذا الشأن وللسبب نفسه اهتمت الجماعة بامتلاك وسائل إعلامية في دول مختلفة من بينها بريطانيا وتركيا، فضلاً عن توجيه أتباعها للعمل في محطات إعلامية دولية.

ضربات ما بعد السقوط
أخيراً، فإن الفصل الخامس المعنون ب«مستقبل العمل الإعلامي لجماعة الإخوان المسلمين بعد عام 2013» سعى إلى استشراف مستقبل الإعلام لدى جماعة الإخوان المسلمين في محاولةٍ لمعرفة مدى إمكانية الجماعة على استعادة قدراتها الإعلامية، بعد أن فقدت أغلب أذرعها الإعلامية في مصر - إن لم يكن كلها - إثر تعرضها لضربات شديدة بعد إزاحتها عن الحكم في مصر، حيث أُغلقت منافذها الإعلامية كلها، سواء المكتوبة أو المرئية بما فيها الإلكترونية، ما دفعها إلى تأسيس إعلام بديل في الخارج، وخاصة في تركيا، لكن هذا الأخير لم ينجح في تحقيق الأهداف التي أسس من أجلها، بل إنه لم يعد ذا جدوى حقيقية في ظل بعض المتغيرات السياسية التي طرأت على سياسة أنقرة مع كل من مصر ودولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية.

مستقبل إعلام التنظيم
ينقسم هذا الفصل إلى مجموعة من المحاور لمعرفة مستقبل الإعلام لدى جماعة الإخوان المسلمين، 
والملاحظ أن هناك مجموعة من السمات التي طغت على أداء قنوات «الإخوان» في تركيا خلال السنوات الماضية، والتي تؤكد أنها قد ابتعدت تماماً عن أخلاقيات العمل الإعلامي، الأمر الذي أسهم بشكل مباشر في تضاؤل تأثيرها في الجمهور الذي استهدفته نتيجة انصرافه عنها، وهو ما أكدته بعض الإحصائيات والبيانات التي تمت الاستعانة بها في جزء لاحق من هذا الفصل لرصد مدى تأثير هذه القنوات، ففي ضوء صعوبة الحصول على أرقام لعدد مشاهدي قنوات الإخوان الفضائية فقد تمت الاستعانة بمواقع هذه القنوات على اليوتيوب من أجل معرفة عدد المتابعين لكل قناة ومقارنته بعدد متابعي القنوات المصرية المنافسة، حيث كشفت هذه الأرقام عن تضاؤل عدد مشاهدي قنوات الإخوان بشكل كبير، عند مقارنته بعدد مشاهدي القنوات المصرية المنافسة. 
وعلى هذا الأساس، قدم هذا الفصل عرضاً لأهم سمات قنوات جماعة «الإخوان» التي بُثَّت من تركيا بعد ثورة 30 يونيو 2013. ومن هذه السمات فقدان المصداقية والاعتماد على التهويل، وذلك في محاولة لتعبئة المصريين وحشدهم واستعدائهم ضد النظام الحاكم. 
فقد دأبت هذه القنوات على بث بعض الأخبار المزيفة، حتى عندما تناولت بعض الأخبار الصحيحة فإنها اتجهت إلى تهويلها وتضخيمها. 

تأجيج التوتر
كما استهدفت هذه القنوات تغذية التوتر في المجتمع المصري من خلال الحض على ضرب مكوناته العديدة، سواء كانوا مواطنين أو أجانب، وترهيبهم، وذلك للاستمرار في نهج اتبعته قنوات «الإخوان» خلال حكم مرسي، حيث كانت هذه القنوات تشير إلى غير الإسلاميين باعتبارهم «ملحدين»، وتتهمهم بأنهم فلول النظام القديم أو عملاء يتجسسون لصالح دول أجنبية، والإيحاء بأن أي شيء ضد الإخوان المسلمين يُعتبَر ضد الإسلام. وبعد سقوط مرسي روّجت قنوات الإخوان أن متظاهري 30 يونيو مسيحيون حشدتهم الكنيسة المعادية للإسلام. والهدف من ذلك محاولة ذرع الفتنة بين المسلمين والمسيحيين في المجتمع المصري وتغذية التوتر بين مكونات المجتمع.
إلى جانب مجموعة السمات التي أكدت تجاهل قنوات الإخوان الالتزام بأخلاقيات العمل الإعلامي، فإن هذه القنوات عانت مشكلات هيكلية لم تستطع التخلص منها، ووقفت عائقاً أمام أي إمكانية لاستمرارها، ما يضعها أمام سيناريو التلاشي والاختفاء، بعد أن سادت الصراعات والانقسامات إعلام «الإخوان».

قنوات الإعلام «البديل»
وفي أعقاب عزل الرئيس محمد مرسي في 3 يوليو 2013، أُغلقت العديد من وسائل الإعلام التابعة للإخوان، من بينها «قناة مصر 25»، وصحيفة «الحرية والعدالة»، وتبعها إغلاق العديد من المواقع الإلكترونية الإخوانية، وصدر حكم قضائي بإغلاق قناة «أحرار 25» التي أطلقتها الجماعة كقناة بديلة عن قناة «مصر 25»، كما تم وقف بث قنوات كانت تدعم الإخوان، مثل «قناة الجزيرة مباشر مصر» و«اليرموك» و«القدس». ومع إغلاق وسائل الإعلام التابعة لجماعة «الإخوان» في مصر وفرار العديد من أعضائها إلى تركيا، اتجهت الجماعة إلى إطلاق مجموعة من القنوات التلفزيونية الفضائية من هناك، أبرزها «مكملين»، و«الشرق»، و«وطن». ومثلت هذه القنوات الذراع الإعلامية للجماعة في هذه المرحلة، حيث وجهت بثها إلى مصر في محاولة لتحقيق مجموعة من الأهداف الخاصة بالجماعة، من بينها مخاطبة الرأي العام المصري بغرض كسب دعمه في مواجهة النظام المصري، ومحاولة تشويه صورة هذا النظام ومحاربته إعلامياً.

إعلام غير قادر على الاستمرار
خلص الفصل الخامس إلى مؤشرات تؤكد عدم قدرة إعلام «الإخوان» بعد عام 2013 على الاستمرارية، بالنظر إلى فقدانه بيئته الأصلية التي كان يعمل فيها وهي البيئة المصرية، وغياب التعاطف من قِبل الشعب المصري، وخسارته الملاذ الذي وفرته تركيا له، وصعوبة إيجاد ملاذ آخر له، وتحوُّله إلى مجرد منصة ممولة بمال سياسي بهدف التشهير بالخصوم.

تحريض على العنف
يؤشر الفصل الخامس إلى ما مارسته قنوات «الإخوان» من تحريض واضح على العنف، سواء ضد النظام أو ضد بعض المؤسسات وأصحاب مهن معينة، كما دعمت هذه القنوات الجماعات المسلحة التي مارست العنف والإرهاب في البلاد، فضلاً عن أنها سعت إلى تغذية التوتر في المجتمع المصري. وبهذا استحضرت في عملها وصية حسن البنّا في نفوس كل عضو في الجماعة بقوله، «أن تستصحب دائماً نية الجهاد وحب الشهادة، وأن تستعد لذلك ما وسعك الاستعداد».
وهناك العديد من الأمثلة التي تؤكد تحريض هذه الجماعات على العنف ضد النظام المصري عموماً، فبعد سقوط جماعة «الإخوان» استضافت قناة «رابعة» شخصيات مثل محمد عبد المقصود ووجدي غنيم وعاصم عبدالماجد وسلامة عبدالقوي الذين حرضوا جميعاً على استخدام العنف ضد النظام في مصر، كما استضافت الزعيم السلفي الثوري محمود فتحي، الذي دعا إلى العمل «الثوري» العنيف.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©