عدد اليوم
نسافر على أجنحة الأحلام، نضع أجندات ملونة بالجميل من الانتظارات الموشّاة بالشوق لأصدقائنا هنا، وهناك، نروح نبحث عن تلك الأيام الحلوة التي مرّت بنا وبهم، نسترجع ما مضى، ونتأمل الحاضر، ونسأل الله تعالى أن يكون القادم أجمل وأكثر أماناً وسلاماً لقلوبنا وأرواحنا التي أتعبها الحنين، وطوّحتها الرياح في كل وادٍ وطريق.
في محطات السفر نسترجع مواقف حدثت، ووجوهُ غابت، وأمنيات تحققت وأخرى تأخرت كثيراً والأمل يضيء دوماً بأنها سوف تأتي «سيأتي بها الله» هذا اليقين الذي نحمله في قلوبنا هو رفيقنا في السكون والحركة، في المسافات القريبة أو تلك البعيدة التي تأخذنا إلى أسئلة كثيرة حولنا، ماذا حققنا، وماذا نريد، عديدة هي علامات الاستفهام الحبيسة في سجل الوقت، تلك التي لا نعرف إجابات لها، وربما في لحظة امتنان لا نبحث عنها، ولا نطاردها لأننا على يقينٍ بأنها سوف تتجلى في يوم وظرفٍ ما غير متوقع.
نحن أجيال زمنٍ لن يتكرر بكل ما حمله من مؤونة في زوّادة الأيام، زادُ الحب، الوفاء، الرفقة الطيبة، والأحلام الكبيرة، زمن التعاضد الروحي الذي يجعلك لا تهنأ إن لم تطمئن على قريب، أو تتواصل مع بعيد، أخذتنا حركة الحياة السريعة من براءة مشاعرنا، ورهافة أحاسيسنا، كتبنا القصائد بحب، وأصدق الكلام يطلع من قلبٍ لا يحقد ولا يحسد، ولا يتمنى اقتناص رغيف الحياة من يدٍ أخرى تحتاج إليه.
حالتنا تُشبه تماماً تلك الهالة من الحب التي كنّا نعيشها في شهر رمضان المبارك في تلك الأيام النقيّة التي لم يدخلها هاتف متحرك، أو وسيلة تواصل معقّدة، أو منافسة لا تستحق شرف المحاولة فيها، ذاك الوقت الذي كنّا نركض فيه صوب جيراننا نوزّع الوجبات والحلويات، وننقل ما نحمّل به من أوان تمتلئ بالمشاركات الإنسانية الممزوجة بالحب الخالص، حبٌّ يندر أن يتكرر في زمن الجفاف العاطفي، والركض نحو الفراغات اللاّمتناهية.
في تلك المسارات من الزمن تحولات إنسانية اخترقت القلوب فحركتها من منطقة الأمان والطيبة إلى مناطق أخرى، تسودها ضبابية اللهاث المستمر والمخيف نحو تكريس الأنا، وتقديس المادة، والابتعاد عمّا يلامس الروح ويزرع فيها ورد الخير والمحبة والتواصل الإنساني النبيل، الذي تفتقده قلوب أنهكها الزمان بمادياته التي أخذت الأبناء بعيداً عن الأسرة، عن الأقرب من الأهل والأثمن، فتقلصت المسافة، وانطفأت بهجة الحياة في قلوب من كانوا في يوم ما هُم الحياة ببهجتها وفرحها وسعادتها التي نبحث عنها اليوم.
