الأربعاء 1 مايو 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الترفيه

«التواصل الاجتماعي».. تسونامي يطارد المراهقين

«التواصل الاجتماعي».. تسونامي يطارد المراهقين
29 سبتمبر 2023 01:08

لكبيرة التونسي، خولة علي (أبوظبي)
التأثير السلبي لوسائل التواصل الاجتماعي، وراء اكتساب الأطفال والمراهقين عادات غريبة على مجتمعنا، حيث باتوا يتطلعون إلى الشهرة والنجومية والمظهر المثالي والربح السريع، بعد انبهارهم بمؤثري وسائل التواصل الذين يظهرون في ثوب المثالية، وكأنهم يخلون من العيوب، الأمر الذي يدفع المراهقين إلى متابعتهم والتأثر بهم، حتى أصبحوا يقضون جل وقتهم في تصفح هذه الوسائل التي تسيطر على أفكارهم وتستنزف وقتهم وطاقتهم، في ظل غياب الدور التوعوي للآباء، وندرة البرامج الإرشادية لرفع الوعي بسلبيات الإنترنت وتحدياته على المستوى الشخصي والنفسي والاجتماعي. ويؤكد بعض أولياء الأمور أن أطفالهم يعيشون الواقع الافتراضي عبر الإنترنت منعزلين عن الواقع الذي يعيشونه، وأهملوا ثقافاتنا وعاداتنا وتقاليدنا، وهذا الأمر يشكل خطراً كبيراً يهدد صحتهم العقلية والنفسية والاجتماعية، ويحد من تفكيرهم بعقلانية ويسقطهم في عوالم افتراضية وهمية.

ربح سريع
الإفراط في متابعة وسائل التواصل الاجتماعي خطر يداهم الأطفال والمراهقين، ويسهم بشكل كبير في تشكيل وعي هذه الفئة، حيث يسوّق لمعايير النجاح والفرحة والسعادة والجمال والصحة بطرق مختلفة. هذا ما أكدته فاطمة (أم لـ 3 بنات)، مشيرة إلى أنه ليس بإمكانها مراقبة بناتها طوال الوقت، خلال استخدامهن وسائل التواصل الاجتماعي، إلا أنها لاحظت تغييراً في سلوكهن وطموحاتهن وأفكارهن، حيث يتطلعن إلى الثراء والربح السريع الذي من وجهة نظرهن لم يعد يرتبط بالمستوى الدراسي، بل بأعمال أخرى تحقق لهن النجاح، وتسمح لهن بالاستمتاع بالحياة من دون عناء، بمجرد التوفر على حساب بوسائل التواصل لتقديم محتوى جاذب، أو للدعاية لبعض المنتجات الفاخرة.

تجميل 
هيا (أم لـ 3 أبناء)، من بينهم فتاة مراهقة تتابع حسابات بعض المؤثرات على وسائل التواصل الاجتماعي، اللاتي يظهرن في كامل الأناقة والحُسن والجمال، حتى سيطرن على تفكير ابنتها والتي اهتزت ثقتها بنفسها وأصبحت تصر على إجراء عمليات تجميل، نتيجة تأثرها بالمؤثرات اللاتي يظهرن بجسم ممشوق وبشرة لامعة خالية من العيوب. 

كمال أجسام 
سما (أم لمراهقين)، يرغب ابنها فارس في أن يكون مشهوراً ومؤثراً معروفاً، من بوابة ممارسة الرياضة وكمال الأجسام، لكن بطريقة لا تتطلب أي مجهود، حيث يداوم على تناول البروتينات الصناعية وما يتم الترويج له من مواد عبر وسائل التواصل، ما أدى إلى إصابته بوعكات صحية وإغماءات نظراً لتناول هذه المواد من دون وصفة طبية.

لغة الحوار
سندية (ولية أمر)، تشير إلى أهمية التواصل الفعال والمفتوح بين الأهل والمراهقين، للتوعية والتثقيف حول السلوكيات الصحيحة على وسائل التواصل الاجتماعي، ومراقبة نشاط أبنائهم وتوجيههم من دون انتهاك خصوصيتهم، وهذا يتحقق عن طريق إقامة حوار مفتوح فيما بينهم، لضمان سلامة وصحة المراهقين في العالم الرقمي. توضح أن معرفة الأخطار المحتملة لاستخدام وسائل التواصل، تساعد في تعزيز وعي المراهق والتفكير بشكل نقدي واتخاذ القرارات المسؤولة، حيث نلمس مقاومة بعض المراهقين للرقابة الأسرية، ونضمن بناء علاقة قوية مبنية على الثقة والاحترام.

تنمر واستغلال
نظراً لهذه المعطيات يلزم إيجاد حلول مناسبة وفعالة تسهم في الحد من سلبيات استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، حيث يعتبر دور الأسرة مهماً في الرقابة والتوجيه والإرشاد المستمر للأطفال والمراهقين الذين يستخدمون هذه الوسائل.

وأفاد المهندس عادل الهاشمي، نائب رئيس مجلس إدارة جمعية الإمارات للإنترنت الآمن، أنه في عصر التكنولوجيا الحديثة، يتعامل الأطفال والمراهقون بشكل يومي مع وسائل التواصل، التي أصبحت جزءاً أساسياً من حياتهم، ما يعرضهم لمخاطر جمة تتربص بهم عبر هذه المنصات، ما يستدعي توعية هذه الفئة وتزويدها بالمعرفة اللازمة للحفاظ على سلامتها النفسية والاجتماعية. وذكر الهاشمي أن من أبرز هذه المخاطر، التنمر الإلكتروني، حيث تتعرض هذه الفئات للتعليقات السلبية والتنمر عبر الرسائل النصية ومشاركة الصور والفيديوهات، ما يؤثر على صحتهم النفسية ويؤدي إلى انخفاض مستوى ثقتهم بأنفسهم، وقد يتعرضون للاستغلال بكل أنواعه.

تواصل وثقة
شدد عادل الهاشمي على ضرورة تعزيز التواصل المفتوح والثقة بين الأطفال والمراهقين وأولياء الأمور والمعلمين، بحيث يكون هناك حوار دائم حول مخاطر التواصل الاجتماعي وكيفية التعامل معها، من خلال دورات تثقيفية وورش عمل تتناول هذه المخاطر مع التوعية بالتعامل الآمن على الإنترنت للحفاظ على سلامتهم، لتكون لديهم القدرة على تجنب المحتوى الهابط، بالتوعية والتربية السليمة.

دراسات عالمية
تشير دراسة أجريت في الولايات المتحدة عام 2020، من قبل الجمعية الأميركية للطب النفسي، حسب عادل الهاشمي، إلى أن الاستخدام المفرط للتواصل الاجتماعي لدى الأطفال والمراهقين يرتبط بزيادة معدلات الاكتئاب والقلق والتوتر النفسي لديهم، وأشارت دراسة أخرى قامت بها مجموعة الصحة النفسية البريطانية عام 2019 إلى أن أكثر من 90% من المراهقين يستخدمون برامج التواصل الاجتماعي يومياً، كما أن هناك تقريراً لمنظمة الصحة العالمية صدر عام 2018، أكد أن الاستخدام المفرط لبرامج التواصل الاجتماعي يزيد من خطر الاضطرابات النفسية بين المراهقين.

حماية المراهق
وقال كيفن مورغان، رئيس قطاع السلامة والأمان في منصة «تيك توك» لأوروبا والشرق الأوسط وأفريقيا: ندرك مدى خطورة مرحلة المراهقة، فخلال هذه الفترة يكتشف المراهق العالم من حوله ويبدأ في تحديد هوايته الخاصة سواء عبر شبكة الإنترنت أو خارجها، لذا نحرص على أن تكون تجربته مسلية.

وتتيح المنصة حسب مورغان، للمستخدمين الإبلاغ عن أي مشكلة سواء كانت عبر فيديو بث مباشر أو تعليق أو رسالة مباشرة أو مستخدم أو صور أو هاشتاج، بحيث يمكن للوالدين والمستخدمين أيضاً الدخول إلى نموذج التعليقات الخاص بالمنصة للإبلاغ عن أي محتوى هابط أو محظور، موضحاً أن المنصة توفر ميزة الاقتران العائلي للآباء، لربط حساب «تيك توك» الخاص بهم بأبنائهم المراهقين، لمراقبة كل ما يسيء إليهم على المنصة.

فروق فردية
مما لا شك فيه أن وسائل التواصل الاجتماعي زادت من حدة المشاكل النفسية، الأمر الذي يستدعي البحث عن الحلول، حيث قالت يسرا محمود، اختصاصية طب نفسي، إن تأثير هذه الوسائل على الصحة العقلية لبعض اليافعين بات واضحاً، وهذا الضرر يختلف حسب نقاط القوة والضعف الفردية لديهم، ووفقاً لقدراتهم الثقافية والاجتماعية والاقتصادية.
وأضافت يسرا أن المراهق يمر بفترة حساسة خلال هذه الفترة من حياته، حيث تتشكل هويته وشخصيته، موضحة أن هذه الفترة ترتبط بتغيرات في الدماغ النامي المسؤول عن السلوك العاطفي والاجتماعي والتحكم في الانفعالات، لذلك فإن التعرض لوسائل التواصل خلال هذه الفترة يتطلب تدقيقاً إضافياً ومراقبة مستمرة، وتوعية أسرية وتعليمية واجتماعية.
وأشارت إلى أن الأبحاث والدراسات تربط بين استخدام وسائل التواصل الاجتماعي والصحة النفسية، مؤكدة أن هناك ارتفاعاً نسبياً في الاضطرابات النفسية لدى هذه الفئة، التي قد تكون عرضة للقلق والاكتئاب والعزلة، نتيجة الشعور بالغيرة والنقص والفشل والضغط النفسي، وهذه الأضرار قد تستمر لسنوات طويلة.

خطوات للحماية
اقترحت يسرا محمود عدة خطوات لحماية الأطفال والمراهقين من سلبيات منصات التواصل الاجتماعي، ومنها: إنشاء حدود تقنية صحية في المنزل عبر مناقشة عائلية مفتوحة تتضمن القواعد المتعلقة باستخدام الوسائط وموازنة زمن التعرض للشاشات والمحتوى، عدم الكشف عن المعلومات الشخصية، التشجيع على الروتين الصحي بالامتناع عن استخدام الوسائط الإلكترونية قبل النوم، إبقاء أوقات الوجبات العائلية والتجمعات الشخصية خالية من الأجهزة حرصاً على بناء الروابط الاجتماعية، الاستفسار عن أصدقاء الدردشة، وإعدادات الخصوصية الخاصة بهم، مع استشارة الطبيب المتخصص عند ظهور أي أعراض للقلق والاكتئاب المرتبطة باستخدام وسائل التواصل.

سلاح ذو حدين
وتشير فاطمة الزعابي، اختصاصية اجتماعية، إلى أن وسائل التواصل الاجتماعي وحماية المراهقين من تأثيراتها السلبية، باتت أمراً مقلقاً للأسر، لما لها من تأثير سلبي على تربية الأبناء وتوجيه سلوكياتهم بصورة خاطئة، فهذه الوسائل سلاح ذو حدين بإيجابياتها وسلبياتها، وتحتاج إلى رقابة أسرية لضبط استخدام الأبناء لهذه التقنيات، وتحديد ساعات استخدامها مع مراقبة البرامج والقنوات التي يشاهدها المراهق وما يراه من محتوى، مضيفة أن هذه الرقابة تحمي المراهق من رفقاء السوء، وتوجهه نحو السلوكيات الإيجابية وتغرس بداخله القيم التربوية والدينية التي تؤثر في تشكيل شخصيته.
وتذكر الزعابي بعض النصائح للحد من استخدام المراهق لوسائل التواصل، من خلال وضع حدود لاستخدام هذه الأجهزة، خصوصاً عند نومه أو خلال إنجاز واجباته المدرسية أو وقت التجمع العائلي على مائدة الطعام، وعلى الآباء أن يكونوا قدوة لأبنائهم باتباع هذه الخطوات، مع القيام بدورهم في مراقبة حساباتهم بانتظام حتى يكونوا حذرين مما يتابعونه من محتوى، إضافة إلى نصحهم بالابتعاد عن نشر الشائعات والتنمر، حتى يصلوا إلى الأسلوب الأمثل والصحيح في استخدامها.

رقابة ذاتية
ويشير د. نافع النيادي، خبير التنمية البشرية والعلاقات الأسرية، إلى أن الرقابة على سلوكيات المراهق ونشاطه على قنوات التواصل الاجتماعي، تعتبر من الخطوات المهمة لحمايته من سلبيات العالم الافتراضي، شرط أن تكون مراقبته بطريقة ذكية ودون إشعاره بأن تحركاته وتصرفاته تحت المجهر، حتى لا يفقد ثقته بنفسه وبمن حوله، وتكون لديه ردة فعل عكسية. والطريقة المثلى في مراقبة المراهقين، هي جلوس الآباء معهم ومشاركتهم ما يتابعونه على هذه المواقع والدخول في حوارات ومناقشات حول ما يقدم فيها من محتوى سلبي أو إيجابي، والكشف عن الجوانب الخفية لمثل هذه المنصات، لجعلهم أكثر قدرة على حل مشاكلهم والتعامل بموضوعية مع محتواها.

وينصح النيادي بضرورة الجلوس مع الأبناء والخروج واللعب معهم، ليكون الوالدان أكثر قرباً وفهماً لسلوكياتهم وطريقة تفكيرهم، ثم يأتي دور التوجيه والإرشاد والنصح بطريقة هادئة تجعل المراهق أكثر رغبة في الإنصات، مؤكداً على ضرورة تغذية المراهقين بالقيم والأخلاق والمبادئ التي تشكل حائط صد لأي هجوم قد يتعرضون له على مواقع التواصل، ومواجهته بكل قوة وحزم. 

ضبط السلوك
وتقدم التربوية فاطمة جمعة بعض النصائح للوالدين، لضبط سلوك المراهقين على وسائل التواصل الاجتماعي، ومنها الاعتماد على لغة الجسد وجعله ينخرط في برامج وأنشطة حركية بعيداً عن الأجهزة الإلكترونية التي تشغل جُلّ وقته، وتصيبه بالكسل والخمول والإرهاق الذهني، إضافة إلى مشاركته في بعض مسؤوليات المنزل الخفيفة ليعتاد على التعاون مع أفراد أسرته، وتشجيعه على القيام برحلات استكشافية للتعرف على المعالم السياحية. وأوضحت أنه لا بد من التعامل مع تصرفات المراهق بهدوء، مع ذكر أمثلة لمراهقين تعرضوا لإساءات من تنمر أو تحرش عبر مواقع التواصل الاجتماعي، نتيجة عدم توخي الحذر وغياب الرقابة والوعي.

نصائح 
تجنب الأجهرة الإلكترونية عند نوم المراهق أو خلال إنجاز واجباته المدرسية أو وقت التجمع العائلي على مائدة الطعام، نصحه بالابتعاد عن نشر الشائعات والتنمر، مراقبة سلوكياته ونشاطه على هذه القنوات بطريقة ذكية حتى لا يفقد ثقته بنفسه وبمن حوله، الجلوس مع الأبناء والخروج معهم لفهم طريقة تفكيرهم، تغذيتهم بالقيم والأخلاق والمبادئ التي تشكل حائط صد لأي هجوم قد يتعرضون له ومواجهته بقوة وحزم.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©