الخميس 2 مايو 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الترفيه

هل تتعمد الصحافة تجاهل مشاكل الإعلاميين؟

هل تتعمد الصحافة تجاهل مشاكل الإعلاميين؟
22 يوليو 2023 02:09

لندن (الاتحاد)

بقسوة، يطارد الصحفيون بلا رحمة ولا شفقة السياسيين ونجوم الفن والرياضة ورجال الأعمال والمشاهير من كل صنف ولون، لو أن أحدهم ارتكب/ ارتكبت ما يعد مخالفة، حتى ولو كانت مخالفة مرورية. وكلما ثقل وزن المشكلة واسم صاحبها، كلما زاد عيار التغطيات الصحفية واتسع نطاقها والتهبت نيرانها.. لكن لو حدث العكس، أي لو أن صحفياً أو إعلامياً شهيراً، هو الذي خالف القانون أو أساء التصرف.. ربما تأتي ردود الفعل مختلفة قليلاً أو كثيراً، وفقاً لاعتبارات تتعلق بهوية الأطراف الأساسية.. بطل القصة ومؤسسته الإعلامية والضحية.
إنها متلازمة غريبة تضبط الصحافة في حالة تلبس بها أحياناً، مما يجعل البعض يتهمها بإساءة استغلال الشعار الذي تشهره دوماً في وجه خصومها، باعتبارها «السلطة الرابعة»، ويقولون إنها تمارس بذلك التمييز في أسوأ صوره، وتكيل بمكيالين وثلاثة وأربعة أحياناً.
جدل صاخب بهذا الشأن تفرضه المعركة الناشبة الآن بين صحيفة ذي «الصن» و«بي بي سي» في «الميديا» البريطانية على خلفية اتهامات تم توجيهها لمذيع شهير.
الصحيفة الشعبية البريطانية، قالت إنها تلقت شكاوى من والدين، قالا فيها إن حياة ابنهما (لم يتم تحديد ما إذا كان ذكراً أم أنثى)، تسبب المذيع في تدميرها بمبالغ طائلة كان يدفعها للضحية على مدى عامين، مما أوقعه في هاوية الإدمان.
الصحيفة نشرت تقاريرها بتقنية «القصة العمياء»، حيث لم يتم ذكر أي أسماء.. لا اسم المذيع المتهم ولا اسم الأبوين ولا اسم الضحية المفترضة ولا أي صورة أو مستند يثبت صحة تلك التهم المرسلة مجهولة الهوية والمصدر.. فقط اسم الـ«بي بي سي»، وذلك بسبب القوانين التي تحمي الخصوصية وتمنع التشهير.
هيئة الإذاعة البريطانية التزمت الصمت في البداية، ثم أعلنت أنها أوقفت المذيع، الذي رفضت الإفصاح عن اسمه، وقالت إنها تجري تحقيقات في الأمر.
طبعا ضجت «الميديا» البريطانية منذ تفجر القضية وتعرضت «بي بي سي» و«الصن» لانتقادات مختلفة ومتباينة. فالإذاعة باعترافها (احتاجت لحوالي سبعة أسابيع من وقت تلقيها الشكاوى لإخبار مقدم البرامج بالادعاءات. وقامت بإيقافه فقط بعد ظهور القصة في «الصن»). والصحيفة نفسها، أخذ عليها كثيرون، نشر القصة من دون أدلة ثبوتية، تؤكد فحواها.. ومع ذلك، بدت التغطيات في المجمل محدودة، وكأن وسائل الإعلام التي تناولت الأمر، حريصة على وأد القصة في مهدها، خاصة بعد أن تبين أن بطلها من كبار القوم في فضاء الميديا، المذيع هيو إدواردز، الذي يقدم نشرة أخبار «بي بي سي» الرئيسية في الساعة العاشرة مساءً، كما أنه كان المذيع الرئيس خلال تغطيات العديد من القصص المهمة، مثل جنازة الملكة إليزابيث، وتنصيب الملك تشارلز والانتخابات. وهو أحد أعلى المذيعين أجراً، براتب يبلغ حوالي 435 ألف جنيه إسترليني في السنة. 
دفع ذلك كثيرون للتساؤل ببراءة عما إذا كانت تغطيات «الميديا» ستكون بالمثل، لو كان المتهم، «ميجا ستار» في عالم السياسة أو الاقتصاد أو الفن والرياضة مثلاً.. هل كانوا سيتركونه لشأنه، من دون كشف اسمه ومطاردته وعائلته وجيرانه، بكل السبل، ولو حتى بانتهاك حياتهم الخاصة.؟
ألا تطارد الصحافة الغربية المشاهير حتى داخل بيوتهم أو أثناء ممارسة حياتهم الطبيعية كبشر عاديين يمضون إجازة هنا أو هناك؟!، ألا تتلصص عليهم كاميرات الباباراتزي وتكشف سترهم بلا وازع من ضمير أو رادع قانوني؟ .. من أجل لا شيء.. فقط سعياً وراء الترند و«الترافيك» والإعلانات، والذي منه..
صحيفة الصن نفسها، قالت في معرض دفاعها عن نفسها، في مواجهة أولئك الذين وقفوا إلى جانب «بي بي سي» والمذيع، قائلة، «العديد من هؤلاء الأشخاص أنفسهم قد صلبوا المعارضين السياسيين بسبب خطايا أقل دون أي تلميح إلى عدم الشرعية. لو كانت هذه القصة عن وزير في حكومة المحافظين، أو مذيع يدعم خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي على قناة تلفزيونية ذات ميول يمينية، لكانوا يصرخون من أجل إقالته». وزعمت الصحيفة أنها نشرت تقريرها بدعوى المصلحة العامة .. لكن أي مصلحة عامة للجمهور والمجتمع من وراء توجيه التهم جزافاً بطريقة عشوائية؟!.
المدهش، أنه بعد أيام قليلة، بدأت الصحافة، تتحدث عن قضية جديدة بطلها المذيع دان ووتون من محطة GB NEWS، الذي عمل في «الصن» نفسها، وميل أون لاين.. وكلتاهما رفضت نشر أي شيء عن الاتهامات الموجهة له والتي تشبه في بعض تفاصيلها قضية مذيع الـ«بي بي سي». 
فهل هي إذن هي الحرب الأهلية بين أبناء المهنة، حيث يتبادل الخصوم الضربات الانتقامية تحت الحزام لتصفية الحسابات ولو حتى على حساب المهنة وقيمها؟! . في هذه الحالة يحتاج الإعلام إلى أن يتذكر باستمرار قول المسيح عليه السلام «لماذا تنظر إلى القشة في عين أخيك، ولا تبالي بالخشبة في عينك؟» .. وإلا سيردد الجمهور المقولة الشهيرة «إذا كان بيتك من زجاج فلا ترشق الآخرين بالطوب».

كأنها الحرب الأهلية!
بعد أيام قليلة من قيام صحيفة «الصن» بتفجير قضية مذيع بي بي سي الشهير هيوز إدواردز وانخراط الميديا البريطانية ومنصات السوشيال ميديا في تناول القضية من كل الزوايا، فوجئت الأوساط الإعلامية أمس الأول بتفجر قضية أخرى تتعلق بالمذيع الشهير لمحطة GB NEWS، دان ووتون والذي تولى مناصب قيادية وكتب أعمدة صحفية في الصن وميل أون لاين.. وكأن الأمر تحول إلى ما يشبه الحرب الأهلية بين أهل اليمين واليسار في الساحة الإعلامية البريطانية بتوجيه ضربات تحت الحزام ونشر الغسيل القذر لمشاهير من المعسكرين بطريقة لم تحدث من قبل إلا بين السياسيين. الغريب أن الصن التزمت الصمت أيضا بشأن التهم الموجهة إلى ووتون ولم تتخذ حتى الآن أي إجراء ، مثلما فعلت بي بي سي عندما التزمت الصمت عند تفجر قضية إدواردز ثم تحت الضغط المتصاعد اضطرت للإعلان عن وقفه عن العمل، وقال مديروها حينئذ إنه كان يتعين عليهم الموازنة في قرارهم بين المصلحة العامة وبين حماية سمعة وكرامة وخصوصية المذيع.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©