عدد اليوم
د. شريف عرفة
علم النفس الإيجابي - المهتم بدراسة السعادة - لا يزال علماً حديث العهد. ولم يتم تقييم السعادة وقياسها وتصميم استطلاعات لرصدها إلا مؤخراً، فلا توجد قياسات «للسعادة الوطنية» لدى أغلب دول العالم قبل عام 2011 إلا باستثناءات قليلة.. قبل ذلك تغيب البيانات والاستطلاعات المتعلقة بالحالة النفسية للناس.. فكيف نعرف - بشكل علمي - العوامل المرتبطة بالسعادة بشكل عام عبر التاريخ؟
دراسات حديثة وجدت طريقة مبتكرة لحل هذه المعضلة، وهي استخدام الذكاء الصناعي لتحليل عشرات الملايين من النصوص القديمة والحديثة لمعرفة انفعالات الذين كتبوها، ما يعطينا انطباعاً حول الحالة النفسية السائدة لدى الناس والعوامل المؤثرة فيها عبر العصور!
دراسة بالذكاء الصناعي
في دراسة تحمل عنوان «تحليل تاريخي للرفاهية الذاتية الوطنية باستخدام ملايين الكتب الرقمية» نشرت في دورية «نيتشر هيومان بيهافيور» أجراها البروفيسور توماس ت. هيلز، وفريقه من قسم علم النفس بجامعة وارويك، ومعهد آلان تورينج، بالمملكة المتحدة.. قام الباحثون بجمع ملايين الكتابات التي تمت كتابتها في الـ 200 عام الأخيرة في أربعة بلدان، هي الولايات المتحدة الأميركية والمملكة المتحدة وألمانيا وإيطاليا... وطلبوا من الذكاء الصناعي رصد الكلمات المعبرة عن السعادة «حسن الحال الذاتي: زيادة المشاعر الإيجابية والرضا عن الحياة، وقلة المشاعر السلبية» ليعرفوا الفترات التي تزيد فيها انفعالات معينة، وما لذلك علاقة بالأحداث السياسية والاقتصادية التي تشهدها هذه البلاد في هذه الفترات..
نتائج الدراسة
بعد تحليل نصوص 8 ملايين كتاب و65 مليون مقال تشمل المائتي عام الأخيرة.. وجدت الدراسة علاقة واضحة بين السعادة، ومجموعة من العوامل. تلخصها النتائج الرئيسية للدراسة فيما يلي:
الاقتصاد
بشكل عام، كان لإجمالي الناتج المحلي تأثير في زيادة السعادة على المستوى الوطني. لكن التأثير لم يكن كبيراً جداً. إذ تطلب ازدهاراً اقتصادياً كبيراً في فترة قصيرة كي يكون مؤثراً على السعادة.
كان الاقتصاد مهماً لكنه ليس كل شيء.. إذ تأتي أهمية العوامل التالية..
السلام
سنة واحدة من الحرب أو الصراع الداخلي، تضرب سعادة الناس بما يساوي انهيار 30% من نصيب الفرد من الناتج الإجمالي المحلي! ظهرت هذه النتائج واضحة للباحثين في صراعات عديدة، مثل الحرب الأهلية الأميركية، وحرب فيتنام، وثورات 1848 المسلحة في أوروبا، والحربان العالميتان... إلخ كل هذا تزامن مع انخفاض السعادة الوطنية في البلدان المتضررة.
الرعاية الصحية
لاحظ الباحثون أن زيادة متوسط الأعمار له تأثير كبير على سعادة الناس، زيادة عام في متوسط الأعمار يوازي زيادة 4.3% في الناتج المحلي الإجمالي! هذا الكلام يتوافق مع دراسة كندية أحدث «حللت بالذكاء الصناعي 700.000 نص كتبه مستخدمو تطبيقات الهاتف» وجدت أن السعادة مرتبطة بمعايير صحية هي جودة النوم والأكل الصحي والتمارين الرياضية.
الأكثر إثارة للاهتمام، أن هذه الدراسات استخدمت كلمات مفتاحية، وليس تحليلاً عميقاً للنصوص كما تفعل أنظمة الذكاء الصناعي الأكثر ذكاء!
فماذا عن الدراسات التي يمكن للباحثين القيام بها اليوم؟
