الخميس 2 مايو 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الترفيه

«شيء من الخوف».. صرخة فنية

«شيء من الخوف».. صرخة فنية
24 يونيو 2023 00:56

سلطان الحجار (أبوظبي)
«شيء من الخوف»، رواية للكاتب ثروت أباظة، صدرت عام 1960، عبر دار نشر «دار المعارف»، صُنفت ضمن قائمة أفضل 100 رواية في القرن العشرين، وجاءت في المركز 72، وتعد واحدة من أشهر كلاسيكيات الروايات العربية. أحداثها تغوص في أعماق إحدى قرى الريف المصري، مسجلة أدق التفاصيل والقدرة على متابعة حياة أهل ساكنيها، حيث يتعرض الكاتب إلى مشكلة الظلم والاستبداد والقوة الغاشمة التي يعاني منها أهل هذه القرية، سواء أكانت تلك القوة ترمز إلى سلطة الحكم عليهم أو بطش الخارجين عن القانون، ليبدأ الكاتب من خلال روايته، في محاولة تغيير هذه الظروف، عبر مواجهة ومقاومة هذا القهر. الرواية تدور أحداثها حول «فؤادة»، هذه الفتاة الصغيرة التي تحب عتريس الفتى البريء النقي، والذي ينقلب إلى وحش كاسر في مرحلة الشباب، ليعيش على القتل والنهب، وقيادة عصابة مسلحة لتحصيل «الإتاوات» بطريقة غير مشروعة من أهالي قرية «الدهاشنة»، الذين يضطرون للخضوع له خوفًا من وحشيته والانتقام منهم، في حال تقاعسهم عن الدفع، من ناحية أخرى تبرز شخصية فؤادة، الفتاة الجميلة التي أحبها عتريس منذ الصغر، لكن فؤادة لا تحبه، بل تنفر من سيرته، فهي تحب شاباً آخر يدعى طلعت بن فايز بك، وذات يوم يقرر عتريس خطبتها، خاصة بعد قرر معاقبة البلدة بمنع الماء عن فلاحيها، فلم يجد من يقف أمامه سوى فؤادة، حبه القديم ونقطة ضعفه الوحيدة، التي تحدته وفتحت هويس المياه ليتمكن الفلاحون من ري أرضهم، وعندما لا يقدر على قتلها لحبه الشديد لها، يفكر في امتلاكها عن طريق الزواج بها، فيقع والدها في ورطة كبيرة، خاصة بعد أن هدده عتريس بالانتقام في حال رفض زواجه منها.

زواج وانتقام
بالفعل، ترفض فؤادة الزواج، لكن في الأخير يتم دون رضاها، فهي لم توكل والدها أو أي أحد في أمر زواجها، لكن والدها وعبد التواب وهنداوي يشهدون زوراً على الزواج أمام المأذون، حيث تم تزوير الوكالة بمعرفة والدها الذي خشي على حياته من غضب عتريس، لتنتقل فؤادة إلى العيش مع عتريس دون شرعية، وتقاوم البلدة محاولات عتريس انتزاع هذه الشرعية، في تلك اللحظة تعترف فؤادة له بالحقيقة بأنها لم تتزوجه لأنها لم تُوكل أباها، فيثور عتريس ويقرر الانتقام من «أبيها حافظ»، وأيضاً «عبد التواب وهنداوي» اللذين شهدا على عقد الزواج، وكل من يقول إنّ زواجه منها باطل، فيتصدى له الشيخ إبراهيم ويُعلن، وكل أهل القرية، «أنّ زواج عتريس من فؤادة باطل»، لينتقم عتريس من الشيخ إبراهيم بقتل ابنه «محمود»، فيثور أهل القرية ويتضامنون معه، حتى رجال عتريس ينقلبون عليه ويتصدون له ويعصون أوامره، لترجع فؤادة إلى أهلها بعد أن اعتدى عليها عتريس وأفقدها الوعي، وبعد أن تصدى له رجاله وأجبروه على أن يُطلق سراحها، فتحملها أمها وتخرج بها من بيت عتريس دون أدنى اعتراض منه.
شر طاغ
عنوان الرواية يحمل عدة دلالات ورموز، حيث أسهم في لفت انتباه القارئ وشدّه لقراءة هذا العمل الأدبي، ورمز به الكاتب إلى خوف  لحظي يمكن انتزاعه من النفس، والتغلب عليه بالمقاومة. فشخصية عتريس في الرواية، شخصية شريرة، فهو تشرب من جده الذي سيطر بشروره على قرية الدهاشنة، ليكمل من بعد جده منهجه وسيرته في الحياة، حيث تأثر الولد بجده وأصبح مثله، ليكون عتريس خليطاً بين شر طاغ بسبب الجد، وقليل من الحب المدفون تجاه فؤادة، ورثه عن الأب. أما طلعت، في الرواية، فهو ابن فايز بك، صديق والد فؤادة (حافظ)، ووالدته تدعى تفيدة هانم المثقفة، التي اعتنت بعقل فؤادة، وكانت تقرأ لها، وتعلمها وتثقفها، مما زاد من وعيها، ونضوج عقلها.

ثمن الحرية
والواضح أن أغلب الأحداث، تشير إلى سطوة القوة واستغلال ضعف أهل القرية، وإجبارهم على السكوت، ومن جانب آخر تلقي الضوء على قوة الحق، وتأثير التمسك به.
شاشة سينما
رواية «شيء من الخوف»، عرفت طريقها إلى شاشة السينما، من خلال فيلم مصري من إنتاج عام 1969، إخراج حسين كمال، وإنتاج صلاح ذو الفقار، وسيناريو وحوار صبري عزت وعبد الرحمن الأبنودي، بطولة شادية (فؤادة)، محمود موسى (عتريس)، يحيى شاهين (الشيخ إبراهيم) محمد توفيق (حافظ والد فؤادة)، آمال زايد (أم فؤادة)، صلاح نظمي (إسماعيل)، محمود ياسين (علي)، وبوسي (عزيزة)، وغيرهم.  وتجري القصة بقرية مصرية، حول (عتريس الجد)، الذي يفرض سلطته على أهالي القرية ويفرض عليهم الإتاوات، ويتربى في كنفه (عتريس الحفيد) على القهر والقسوة والظلم والغطرسة، حتى يبلغ الحقد والكره مبلغه عندما شاهد اغتيال جده أمامه، ورغم قسوة قلبه كان عتريس الحفيد يحب (فؤادة) منذ نعومة أظافره، ولكن فؤادة تتحداه بفتح الهويس الذي أغلقه عقاباً لأهل القرية بعد مقتل أحد رجاله، في مشهد عبقري يؤكد أن الشجاعة أحياناً تكون السبيل الوحيد للوقوف في وجه الظلم، لتنقذ فؤادة المحاصيل من الجفاف والعطش. 
نهاية عتريس
لأن عتريس يحب فؤادة فلم يستطع قتلها فيقرر أن يتزوجها غصباً، ويحتفظ بها في بيته وتثور ثائرته وينتقم من أبوها ويحرق أراضيه، لكن فؤادة تتمنع عن عتريس وترتدي الأسود معلنة الحداد، وتقف موقفاً بطولياً يحرك شباب القرية ليثوروا ضده، بقيادة الشيخ إبراهيم، فيقتل عتريس ابنه محمود يوم عرسه، ليأتي مشهد النهاية بجنازة محمود، وفيها يردد الشيخ إبراهيم، وأهل القرية، الجملة الشهيرة «جواز عتريس من فؤادة باطل»، ويتوجه الجميع لمنزل عتريس الذي لا يستطيع مقاومة كل أهل القرية مجتمعين فيحرق أهل القرية داره وهو بداخلها، وتكون هذه نهاية عتريس جزاءً لأفعاله، ويتم تحرير فؤادة لتعود إلى أهلها.
ورُشح الفيلم لجائزة مهرجان موسكو السينمائي، كما أنه جاء ضمن قائمة أفضل 100 فيلم في تاريخ السينما المصرية.

ثروت أباظة.. الأديب الأرستقراطي
ثروت دسوقي أباظة (15 يوليو 1927 - 17 مارس 2002)، كاتب وروائي مصري، يُعد من أعلام محافظة الشرقية، مركز الزقازيق قرية غزالة، له إسهاماته الإبداعية العديدة في الأدب، هو من عائلة أباظة الأرستقراطية، إحدى أعرق عائلات مصر، ومن أسرة أدبية قدّمت للأدب العربي عمالقة من الأدباء، على رأسهم والده الأديب دسوقي أباظة، وعمه الشاعر عزيز أباظة، وعمه الكاتب الكبير فكري أباظة.
حصل ثروت أباظة على ليسانس الحقوق من جامعة فؤاد الأول عام 1950، بدأ حياته العملية بالعمل بالمحاماة، فيما بدأ حياته الأدبية في سن السادسة عشرة، وهي بداية مبكرة، حيث اتجه إلى كتابة القصة القصيرة والتمثيلية الإذاعية، وبدأ اسمه يتردد بالإذاعة، ثم اتجه إلى القصة الطويلة، فكتب أول قصصه وهي «ابن عمار» وهي تاريخية، كما كتب مسرحية بعنوان «الحياة لنا».
تولّى رئاسة تحرير مجلة الإذاعة والتلفزيون عام 1974، ورئاسة القسم الأدبي بصحيفة الأهرام بين عامي 1975 و1988، وظل يكتب في الصحيفة نفسها حتى وفاته، كما شغل منصب رئيس اتحاد الكتاب، ومنصب وكيل مجلس الشورى، كما كان عضواً بالمجلس الأعلى للثقافة، وبالمجالس القومية المتخصصة، ومجلس أمناء اتحاد الإذاعة والتلفزيون، ورئيس شرف لرابطة الأدب الحديث، وعضواً بنادي القلم الدولي.
قام ثروت أباظة بتأليف عدة قصص وروايات، تحول عدد منها إلى أفلام سينمائية ومسلسلات تلفزيونية، كما كتب أكثر من 40 تمثيلية إذاعية، و40 قصة قصيرة و27 رواية طويلة، وحصد عدة جوائز، منها جائزة الدولة التشجيعية عام 1958، ونال وسام العلوم والفنون من الطبقة الأولى، ثم جائزة الدولة التقديرية في الآداب عام 1982.
من أهم أعماله الأدبية والروائية، «هارب من الأيام»، «ثم تشرق الشمس»، «الضباب»، «أحلام في الظهيرة»، «طارق من السماء»، «الغفران»، «لؤلؤة وأصداف»، «خشوع»، «عاشق الليل»، و«لمحات من حياتي»، وغيرها.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©