الإثنين 6 مايو 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الترفيه

«تويتر» و«بي بي سي».. صراع العمالقة

«تويتر» و«بي بي سي».. صراع العمالقة
29 ابريل 2023 02:05

لندن (الاتحاد) 
تشهد صناعة الإعلام في العالم الآن مواجهة غير مسبوقة في تاريخها.. ليست بين مؤسسات الميديا وأصحاب السلطة أو أرباب المال والأعمال، مثلاً، لا، ليس الأمر كذلك.. إنها معركة طاحنة بين مؤسسات إعلامية غربية عريقة، بعضها عمره 100 عام، وبين منصة إعلامية وليدة لم يتعد عمرها 9 أعوام، لكن جمهورها يتعدى المليار شخص.
كثيرون سيتخيلون أن الغلبة والهيمنة للمؤسسات النافذة العتيقة التي احتكرت عبر السنين حق تصنيف الآخرين.. فهذا معتدل وذاك متطرف، وهذه صحيفة تابعة للحكومة، وتلك موالية للحزب الحاكم.. لكن الأمر في الواقع ليس كذلك.. فالمنصة الوليدة «تويتر» انتزعت هذا الامتياز من تلك المؤسسات.. وصارت هي وحدها التي تصنف كل واحدة منها بحسب درجة قربها من الحكومات، من أجل الشفافية. 
طبعاً لم يعجب الأمر المؤسسات القديمة، فاندلعت المعركة ضمن معارك عديدة يصر ماسك على خضوعها على كثير من الجبهات… كلها في وقت واحد، واثقاً من أن هيمنته على «تويتر» تمنحه سلطة عليا، كما لو أنه صار وزير إعلام كوكب الأرض أو المنصة الشرعية الوحيدة لتنظيم وإدارة شؤون الإعلام في العالم.
ذروة هذه المعارك كانت الأزمة بين تويتر وهيئة الإذاعة البريطانية «بي سي سي» ومنصات أخرى شهيرة.
بدأت المواجهة تحديداً عندما قرر ماسك وضع عبارة «إعلام مموّل من الحكومة» على حساب هيئة الإذاعة البريطانية في تويتر. حدث الأمر نفسه مع مؤسسات ذائعة الصيت في أميركا وكندا، فقرر بعضها تحجيم أو تجميد تواجده على تويتر.لكن «بي بي سي» تحديداً، تحت وطأة الإحساس بأن كبرياءها «انجرح»، قررت أن تواجه ماسك مباشرة.. استدرجته لعقر دارها، في مقابلة تلفزيونية طرفها الثاني كان المذيع الصحفي جيمس كلايتون، مراسل التكنولوجيا في الشركة بأميركا الشمالية. تصور كثيرون أن قلعة الميديا البريطانية ستأخذ بثأرها من الملياردير حديث العهد بالإعلام، الذي تجرأ على أن يعتبرها مؤسسة إعلامية تمولها الحكومة البريطانية بعد 100 سنة خدمة، أصرت خلالها على أنها مؤسسة إعلامية حرة شريفة نزيهة تنفق على نفسها من حر مال الجمهور.. وليس من خزينة 10 داوننغ ستريت. 
لكن الذي حدث عكس ذلك تماماً. خطف ماسك من المذيع الكاميرا والميكروفون والمشهد كله.. وقلب الطاولة على رأس الجميع، وحشر المذيع مع جمهوره في زاوية ضيقة جداً، بدا فيها كلايتون مهزوزاً، غير واثق من نفسه، كأنه لم يستعد جيداً أو غير ملم بما يتحدث عنه.
اتهمه ماسك بالكذب ولم يستطع أن يرد، وبدلاً من أن يلتزم بدور الضيف الذي يجيب على الأسئلة، صار هو الذي يوجه الأسئلة الواحد تلو الآخر، والمذيع لا يجد جواباً شافياً أو مقنعاً لضيفه أو حتى لجمهوره.
باختصار، أظهر ماسك في أول حوار يجريه منذ استحواذه على تويتر، قدرات استثنائية ليس كرجل مال وأعمال يمتلك وسيلة إعلامية جبارة، بل كرجل إعلام محترف يعرف بالضبط كيف يتواصل مع الجمهور بفعالية وكفاءة، ليس فقط من على منصته الخاصة، بل أيضاً من منصات الآخرين، ولو كانوا خصومه.
كان محور المقابلة تساؤلات طرحها كلايتون حول تزايد خطاب الكراهية بعد الهيمنة على «تويتر». طالبه ماسك بدليل فراوغ، سأله: هل تتابع تويتر حقاً، فتملص، أعطاه الفرصة مجدداً ليحكي عن مثال محدد، فأصر على المراوغة. وفي النهاية اضطر أن يقول له: «أنت لا تعرف عما تتحدث.. لقد كذبت للتو».
تجسد هذه النهاية - أو المقابلة برمتها -  جانباً من تحولات موازين القوى في عالم الإعلام الآن. وتوحي بأن الميديا الجديدة، رغم كل الانتقادات، والمقارنات غير المنطقية مع الميديا القديمة - أقوى وأشد بأساً وأكثر شراسة وأوسع حيلة، مما قد يتخيل أولئك الذين ينظرون إليها بخفة واستخفاف.
الشامتون ينتقدون بقسوة
أثار حوار بي بي سي مع ماسك جدلاً كبيراً في أوساط الميديا البريطانية، ليس فيما يتعلق بالقضية المحورية، بخصوص تزايد خطاب الكراهية من عدمه على منصة «تويتر»، ولكن بخصوص أداء المذيع. انتهزت المنصات الموالية للمحافظين، المناوئة لـ بي بي سي الفرصة، للشماتة بها وتوجيه سهام النقد إليها.
قال الصحفي كيفين أو سوليفان في محطة «توك تي في» التي يملكها إمبراطور الإعلام روبرت مردوخ: «هذا هو أسلوب (بي بي سي) العتيق، سوف يكيلون لك التهم الغامضة، لكنهم لا يقدمون أي تفاصيل. لم يكن يتعين أن تكون هذه هي طريقة إدارة المقابلة مع إيلون ماسك، لقد قلب الطاولة حقاً على جيمس كلايتون». وقالت الصحفية ريبيكا ريان: «إنها الغطرسة بعينها عندما تجري مقابلة مع إيلون ماسك دون أي دليل على أنه كان يؤجج محتوى الكراهية. تحتاج بي بي سي إلى وقف هذا الاضطراب المستمر».
وأضافت «بالعودة إلى الميثاق والتزامات هيئة الإذاعة البريطانية من أجل أن تكون قادرة على فرض ضرائب على الشعب البريطاني، من المفترض أن يكونوا قادرين على توفير» التميز الصحفي .. تقديم أفضل مستوى من الصحافة البريطانية التي يفخر بها الشعب البريطاني»، وفقاً للميثاق.
وتابعت: «لقد رأينا منذ عقود أن بي بي سي لا تفعل ذلك، الأمر يزداد سوءاً. لدينا صحفيون من المستوى المنخفض يعملون في بي بي سي»
تراجع كبير
في شريط الصور - أعلاه - مشاهد مختصرة من مقابلة إيلون ماسك مع جيمس كلايتون تعكس سخونة الحوار الذي سيطر عليه زعيم «تويتر» بمهارة وذكاء وحضور شخصي طاغ، أربك المذيع المحترف، الذي تصور أنه ببعض الحيل سيحرج ضيفه. لكن انقلب السحر على الساحر، حتى أن ماسك سخر في تغريدة بعد بث المقابلة قائلا: «في المرة القادمة يتعين عليهم أن يرسلوا إلي رئيس بي بي سي ومعه 3 مديرين صغار». لكن بعد أيام قليلة توقفت «تويتر» عن تصنيف المؤسسات الإعلامية بحسب مصدر تمويلها. 
ماذا قالت «بي بي سي»؟
ردت «بي بي سي» بغضب على ردود الفعل العنيفة للمقابلة قائلة إنها جاءت «في الغالب - ولكن بالتأكيد ليس حصرياً - من حسابات يمينية ويمينية متطرفة».
كما دافعت عن ادعاء كلايتون بأن المحتوى البغيض قد زاد في تويتر منذ استحوذ عليها إيلون ماسك. وقالت بوضوح: «هناك دراسات متعمقة وأدلة قصصية تشير إلى أن خطاب الكراهية قد تزايد في عهد السيد ماسك».

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©