الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الترفيه

د. شريف عرفة يكتب: جيل سعيد

د. شريف عرفة يكتب: جيل سعيد
18 مارس 2023 01:48

يبدأ البروفيسور مارتن سليجمان - الأب الروحي لعلم النفس الإيجابي - إحدى دراساته بسؤال:
ما أكثر شيء تتمناه لأبنائك؟ ويقول: إذا كنت مثل مئات الآباء الذين سألتهم، قد تكون إجابتك هي «السعادة» و«الثقة» «الصحة» و«الرضا».. لكن لو سألتك: ما الذي يتعلمونه في المدرسة؟ قد تجيب بـ «الإنجاز» و«مهارات التفكير» و«النجاح» و«القراءة والكتابة» و«الرياضيات» و«الانضباط» وما شابه. ويضيف: هل لاحظت أنه لا يوجد تداخل تقريباً بين القائمتين؟!
في هذه الدراسة كان سليجمان يدعو لتعليم الأطفال مهارات الصحة النفسية، وهو كلام لا يخلو من وجاهة كما ترى. لا ينطبق على التلاميذ فقط، بل علينا جميعاً. ففي حين نعطي للسعادة والصحة النفسية أولوية قصوى لدرجة اعتبار البعض لها غاية سامية، إلا أننا لا نتعلم مهاراتها ولا نوليها الاهتمام الكافي أثناء المضي لتحقيق أهدافنا.. فالإنجاز والسعادة هدفان مهمان، لكنهما قد لا يلتقيان في كثير من الأحيان، ما يستدعي المضي لتحقيق كل منهما جنباً إلى جنب.
يظن بعضهم أن السعادة تتحقق بالإنجاز.. وهذا ليس صحيحاً بالضرورة.. فأحياناً يكون الإنسان مهووساً بالإنجاز لدرجة تلهيه عن مصادر سعادة حقيقية في حياته، يهمل علاقاته وهواياته ويضحى عاجزاً عن الاسترخاء والتقاط الأنفاس..
ويظن بعضهم أن السعادة هي السبيل للإنجاز، باعتبار أن حب العمل -مثلاً- هو السبيل للنجاح فيه.. وهذا أيضاً ليس صحيحاً بالضرورة، فما يحبه المرء قد يندرج تحت خانة الترفيه الذي لا إنجاز فيه، فمشاهدة عشرة مسلسلات أمر ممتع، لكنه ليس إنجازاً!
لذا، يمكننا تخيل طريق الحياة كشبكة طرق متشعبة لعدد كبير من الطرقات الفرعية التي تتضافر معاً، تلتف حول بعضها وتلتقي وتبتعد، لكنها في الغالب ذاهبة لوجهة واحدة تحددها بوصلة «معنى الحياة» الذي ارتضاه كل إنسان لنفسه.. فما معنى حياتك؟
ليست الإجابة رفاهية بل تصب في قلب صحتنا العقلية.
أحياناً تتقلص السعادة ويتراجع الإنجاز، ويحمينا الشعور بالتفاني والواجب في سبيل غاية أكبر تورثنا الشعور بالطمأنينة والرضا.. أو ينظر المرء لصورته في المرآة راضياً لأنه فعل الصواب الذي يرضي ضميره الأخلاقي ويعلي من تقديره الذاتي واحترامه لنفسه لينام قرير العين مرتاح البال، بينما تزأر العاصفة. الحياة متقلبة، لذلك ينبغي التحلي بالمرونة الكافية لإدراك تعقيداتها وخلق مكاسبنا النفسية فيها.. فأنا سعيد رغم المشكلة، وأشعر بالإنجاز رغم العثرات.. فالحياة مليئة بالمفارقات والتناقضات، ومن الضروري التحلي بعقلية تشتبك مع هذه الأزمات الوجودية وتتلاعب بفهمنا لها بما يحقق صحتنا النفسية.
فهل نتعلم مثل هذه المهارات في المدارس والجامعات؟
منذ أيام، دعيت لتقديم ورشة علمية عن حُسن الحال النفسي بدعوة كريمة من جامعة العين، وسرني اهتمام الأستاذ المشارك سامر عبدالهادي بمتابعة صفحة السعادة التي أتشرف بتحريرها في صحيفة الاتحاد، وأسعدني تفاعل الطلاب وحفاوتهم البالغة. مع دعوة أتلقاها من أي مؤسسة تعليمية ومع كل إقبال ونقاش من الجيل الأصغر، يزداد يقيني بأن إجابة سؤال سليجمان الذي طرحه منذ أعوام، أصبحت إجابته هي: نعم، تهتم المؤسسات التعليمية بنشر الوعي النفسي في الدول المتقدمة.
يبدو الجيل الجديد في نظري جميلاً واعداً بحق. ربما ورث عنّا مشاكلنا، إلا أنه ورث عنّا أيضاً خلاصة علمنا، كي يبدأ من حيث انتهينا.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©