الجمعة 26 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الترفيه

شيخة الجابري تكتب: .. ويهطلُ المطر

شيخة الجابري تكتب: .. ويهطلُ المطر
16 يناير 2023 01:22

عندما يهطلُ المطر تنساب في أوردتنا مشاعر الفرح، وتتشاقى في دواخلنا أحاسيس السعادة، تصير قلوبنا كقلوب الأطفال فارّةً إلى الفضاء، باحثةً عن قطرات تنسكب على الأجساد أغنية وقصيدة المطر، المطر ماذا يفعل بنا حين يهطلُ ويأتي معهُ بكل الأشياء الحلوة التي نتمناها، وإن لم نلتقطها، أو تتلقفها أيادينا ذات انسياب كقصيدة حب.
يعيدنا هطول المطر إلى طفولتنا، نتسابق إلى الاحتفاء به، كنّا نغني «طاح المطر بيد الله/ كسّر حُوي عبدالله»، ولا نعرف من هو ذاك العبدالله الذي نتمنى لمنزله الهدم والخراب وهو في غفلة من تلك الأمنيات العجيبة التي تضج بها الساحات والأمكنة، أغنيات الطفولة تُشبهُ أحلامها، كلها بريئة، طازجةٌ، طالعة من عمق قلب ندي وثريّ العطاء.
للمطر نقش الشعراء أجمل الكلمات، وأبدع الرّسامون أفخم اللوحات، وغنّى الفنانون بجميل القول وأحسنه، وصارت الأغنيات تمائم تلتقطها الألسن، وتنشرها عبر المساحات فيض سعادة، وضوء بهاءٍ عبر النوافذ يتسلل ناشراً الجمال، والمحبة، واهب الحياة للقلوب التي أنهكتها الانتظارات والترقب عند محطات العمر.
يصيرُ لماء السماء هودجاً من نور، يتهادى بين هُدب السماء، يرمي لنا بحكاية حب، ويسير بنا مسرى السحاب حيث الحياة الملوّنة بالود، بالوصال، بالقلوب النقيّة التّقيّة البهية، باللحظات النادرات الواصلات وشائج الأرواح الممتلئات رقةً، وترفقاً، وحناناً وامتناناً وسخاء، هي الحياة حين تتجلى في صورتها الأحلى، وجمالها الأكثر نقاءً، وارتقاءٍ بالمشاعر النابضة بالأمان والمسرّة.
يتحوّل المطر كما تتحوّل الأوقات والأيام والأعوام والقلوب، تارة يأتي غيثاً، وقد يأتي ثرداً، فوابلاً، فرذاذاً، فطلٌّ وطوفانُ وبغشٌ، ثم هطلٌ، وغدقٌ، وودقٌ، وانسيابات كثيرة تأتي رشّاً، وصيّباً طيّباً، نابضاً بالإيماءات الكثيرة المتمادية في أعماقنا حبّاً وانعتاقاً من روايات الزمان، وحكايات الجداّت الباعثات فينا خيالاتٍ، وانتباهاتٍ وارتباكات واحتفالاتٍ كثار.
نعيش احتفالات المطر في ربيع يأتينا بغتةً أو شتاء يقرصنا برداً، ويُقرضنا فرحاً لا متناهياً، يدفعنا نحو الفضاء، والطبيعة الساحرة عميقة الأثر في أرواحنا، طبيعة آسرةٌ تغيب عنّا صيفاً لتُلهمنا في الشتاء أجمل القصائد، وأروع اللحظات التي نصيرُ فيها قلوب تلهجُ بالدعاء لأن يستمر ماءُ السماء هطولاً ووفاء.
نُحب المطر، نحب مدننا التي تزهو به، وصحراءنا التي تفتح أحضانها له، وتُشرع نوافذ الود في مواسم يحلو فيها اللقاء بين الأرض العطشةِ وماء السماء، لقاءٌ يبعثُ في الأمكنة الدفء، ومعه يقودنا إلى المساحات الرّحبة، حيث القمر والسّمرُ والليل المُنير، ويهطل المطر.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©