الجمعة 3 مايو 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
الترفيه

«الكاف» التونسية.. موطن الحضارات والتعايش

«الكاف» التونسية.. موطن الحضارات والتعايش
15 يناير 2023 01:40

ساسي جبيل (تونس)

تقع مدينة الكاف التونسية، شمال غربي البلاد، (160 كلم عن العاصمة تونس)، فوق آثار مدينة رومانية تعرف باسم «سيكا فينيريا»، ومنها يتأصل اسم «الكاف»، ويعتبر موقعها حصيناً بطبيعته الجغرافيّة، إذ تنتصب على ظهر جبل وعر ومنحدر «جبل الدّير»، لتشرف المدينة على آفاق فسيحة الأرجاء، منها سهول «السّرس» و«زنفور» و«الأربص»، وهي منطقة جميلة تسحر ألباب زائريها من التونسيين وغيرهم من السياح الأجانب.
قال الباحث المؤرخ الدكتور عبد السلام المسعودي، عن «الكاف»، إنه كان يطلق عليها قديماً «فينوس» (إلهة الحب والجمال)، الشاهدة على أكثر من خمسة عشر قرناً من حياة هذه المدينة الأثرية التي أسسها الأمازيغ وتعاقبت عليها الحضارات من العصر الحجري إلى العهد العثماني، مروراً بالعهد الروماني فالبيزنطي فالعربي الإسلامي، غير أنه ورغم تلك الأهمية ظلت المعالم والمواقع والشواهد المتنوعة على تعاقب الحضارات مجهولة لزمن طويل، مبيناً أن المسلك الثقافي الذي تستغرق مدة زيارته ساعتين ونصف ساعة، يضم عدداً من أجمل المعالم الأثرية في البلاد التونسية، مضيفاً «لقد أطلق عليه اسم ملتقى الحضارات لتفرده في جمع معالم إسلامية ومسيحية ويهودية».

موطن الحضارات
وأكد المسعودي، أن هذه المدينة تُعد موطناً للحضارات والتعايش الإنساني بين الأديان السماوية، ما جعل عبق التاريخ الممزوج بالتسامح، يفوح منها على مرّ السنين، فهي تحتوي على مسلك القصبة الحسينية التي تم تشييدها مطلع القرن السابع عشر الميلادي، والتي تعد رمز المدينة التاريخي والعسكري وقلعتها وتاجها، لا سيما وأن موقعها في المرتفعات يمكّن الزائر من التمتع بمشاهد جميلة للمدينة والمناطق المحيطة بها التي تبعد 30 كيلومتراً على الحدود مع الجزائر، كما يشمل المسلك البازيليك الروماني الذي يعود إلى أكثر من 3000 سنة، وكنيسة دار القوس من الطراز المسيحي القديم التي يرجع تاريخها إلى القرن الرابع، ومقام سيدي بومخلوف (القرن 14م)، وهو نموذج للعمارة الدينية في العهد التركي، إضافة إلى كنيس يهودي ومتحف العادات والتقاليد الشعبية والخزانات الرومانية، وأيضاً «مائدة يوغرطة» التي تقع على ارتفاع 1270 متراً عن سطح الأرض، تخليداً لذكرى القائد الأمازيغي الذي تحدى الإمبراطورية الرومانية، وهو ما يؤكد أن «الكاف» مدينة تاريخية عريقة، مازال التراث المعماري الكبير الذي تحتفظ به إلى يومنا هذا، شاهداً على كل ذلك. 

تعايش الأديان
وأضاف المؤرخ المسعودي أن في «الكاف» معلماً طريفاً وغريب الشكل يعرف بـ«البازيليك» ويُرجح أنه كان مصرفاً أو كنيسة في القرن الخامس الميلادي، إلى أن تم لاحقاً بناء «الجامع الكبير الجديد»، وهو ما يترجم حقيقة تعايش الأديان في هذه المدينة، حيث عاش فيها المسلمون والمسيحيون واليهود، ممن مروا على هذه المدينة عبر عصور لأزمان مختلفة، رغم اختلاف عقائدهم.

موقع متميز
أكد المؤرخ عبد السلام المسعودي، أن موقع المدينة المتميز، جعلها مقصداً للزوار من مختلف أنحاء البلاد وخارجها، للتنعم بهوائها النقي ونسيمها العليل المعروف باسم «النسمة الكافية»، باعتبار أن موقعها العالي والبارد في موسم نزول الثلوج لافت للانتباه، فضلاً عما عرفت به منذ قرون بالفن الأصيل، خاصة أن أغلب الفنانين المعروفين في تونس هم من «الكاف»، التي لها موروث صوفي مهم، وهي ميزة تشترك فيها مع بقية المدن التونسية والمغاربية التي انتشر في ربوعها هذا الفكر وكان عاملاً من عوامل وحدتها ومقاومتها للاستعمار، فضلاً عن الموروث المسرحي، وأيضاً الفن الطربي البدوي التراثي الذي يحتوي في مضمونه قصص الأجيال عبر التاريخ، ويجمع الجد بالهزل، والثقافة بالالتزام.

زراعية بامتياز
الأستاذ الجامعي في علم الاجتماع عبد الحليم بن عمر، قال إن «الكاف» تعتبر زراعية بالأساس، حيث يتعاطى أغلب سكانها النشاط الزراعي، إلا أن ذلك لا يمنع من وجود أنشطة أخرى يمارسها السكان، مثل الصناعات الحرفية واستخراج الثروات المنجمية، علاوة على النشاط السياحي الذي تفرضه المناظر الطبيعية الخلابة والمعالم الأثرية والتاريخية، موضحاً أن كل ذلك انعكس على حياة مواطنيها الذين يستمدون من طبيعتها الغناء، ومن معمارها أبرز مظاهر الحياة.

جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©